يتابع الجمهور العربي، بخاصة الفلسطيني، باهتمام المسلسل التركي «صرخة حجر» الذي بدأ عرضه أخيراً على شاشة «ام بي سي». فالمسلسل الذي سبقته شهرته بعدما أثار غضب الحكومة الإسرائيلية وتسبب بأزمة بين أنقرة وتل أبيب، يُظهر جنوداً إسرائيليين يقتلون الأطفال مع سبق الإصرار والترصد. وإذ يشيد فلسطينيون بفضح المسلسل جرائم الاحتلال الاسرائيلي الا ان «الأخطاء» الشكلية أثارت ملاحظاتهم، فيرى محمد حجاج، وهو طالب في جامعة بيرزيت، أن «المسلسل يحصر الاحتلال والمقاومة بقطاع غزة فقط، وكأن الضفة الغربية ليست محتلة أصلاً، بل إنه لا يأتي على ذكر الضفة الا من خلال الحديث عن مدينة القدس والمسجد الاقصى، كما أن المسلسل يحصر المقاومة فقط بحركة حماس». كما ينتقد حجاج بشدة قرار شباب المقاومة قتل احدى الفتيات على خلفية الشرف بعدما حقق معها الإسرائيليون وأفرجوا عنها. ويقول: «هذه التصرفات بعيدة كل البعد من أخلاقنا وتنقل صورة مشوهة عن عاداتنا وتقاليدنا الفلسطينية، إذ افتقرت بنية المسلسل الى نقل فكرة الترابط الاجتماعي، فهو لا يظهر علاقة الجيران والأقارب بعضهم ببعض، كما أن اللباس، وخصوصاً لباس النساء كان اقرب ما يكون الى التركي منه الى الفلسطيني.. بل حتى دور المرأة في المقاومة كان معدوماً مع أنها تشارك وتقاوم وتناضل جنباً الى جنب مع الرجل الفلسطيني». وعلى رغم التفاصيل الخلافية الكثيرة في طبيعة المقاومة والحياة اليومية، يرى حجاج أن المسلسل ابدع في تصوير معاناة الفلسطينيين بسبب الاحتلال، كذلك قسوة الجرائم الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني. انتقادات أما باسمة عباسي، وهي ربة منزل، فتقول: «كنا ننتظر بفارغ الصبر بث مسلسل «صرخة حجر» التركي، خصوصاً بعد سماعنا ولأكثر من مرة ان هذا المسلسل كان سبباً في التوتر بين اسرائيل وتركيا، وان الاولى سحبت سفيرها من تركيا. كل ذلك شجعنا اكثر على الاصرار على متابعة المسلسل». وتضيف: «أعتقد أن الروعة التي أبرزتها الحلقة الأولى من المسلسل اغتالتها الحلقة الثانية فوراً، عبر تصويرها طقوساً غريبة ليس لها صلة بالواقع الفلسطيني». ويشير الصحافي يوسف الشايب الى بعض الهفوات في تفاصيل المسلسل مثل اللباس والحواجز والمزج بين المقاوم من «فتح» والمقاوم من حماس من طريق لباس المقاومين الفلسطينيين، فهم يرتدون كوفية «فتح» وشعار «حماس» في الوقت ذاته، مع أن الانحياز الى ربط المقاومة بحركة «حماس» يبدو طاغياً. ولا ينكر الشايب ان «المحاولة ممتازة وتتفوق على محاولات عدد من الدول العربية عبر مسلسلاتها وافلامها لإحداث مقاربة مع الوضع الفلسطيني، باستثناء بعض المسلسلات السورية والاردنية التي كان كتابها في الغالب من فلسطين». ويزيد: «هنا علينا أن نؤكد أن الحكم على أي مسلسل عن القضية الفلسطينية، من قبل الفلسطينيين أنفسهم قد يكون قاسياً بعض الشيء، لأنهم وحدهم يعيشون تفاصيل واقعهم»، مشدداً على أن الكثير ممن يرغبون في إنتاج عمل فني تضامني مع الفلسطينيين، يجهلون الكثير من تفاصيل حياتهم تحت الاحتلال، ما يوقعهم بالكثير من الأخطاء، على رغم حسن النية. ويرى أن الحل يكمن في أخذ رأي مستشارين فنيين أو كتاب أو خبراء في الشأن الفلسطيني، ويفضل أن يكونوا من الفلسطينيين. سورية ومصر وفي الشارعين السوري والمصري ترحيب بالمسلسل، ويرى بعض السوريين أن إقدام محطة «ام بي سي» على تبني بث هذا «المسلسل الشجاع» يعيد واقع الصراع إلى المربع الأول، «وهو ما نحلم به عموماً، فالسوريون كانوا سباقين في تناول المأساة الفلسطينية بكثير من الأعمال السينمائية والتلفزيونية». ولا يبدي الوسط الفني السوري «غيرة أو انزعاجاً» نتيجة مزاحمة الدراما التركية ف «هذه سوق مفتوحة أمام الجميع». وإذا ظهر بعض الأصوات الذي تحدث في وقت سابق عن «حفر قبورنا بأيدينا» في اشارة إلى دبلجة المسلسلات التركية بالسورية، فإن الأمر يختلف تماماً مع «صرخة حجر». على أية حال لا يشعر السوريون مع هذا المسلسل بالذات بأن ثمة من يسحب البساط الدرامي من تحت أقدامهم، فهم يجدون أنفسهم قريبين جداً منه، بخاصة في ظل نمو العلاقات السورية – التركية التي توّجت أخيراً بإلغاء تأشيرة الدخول بين البلدين. ومما يفاجئ بالفعل أن يربط بعض الأصوات في الشارع السوري أحداث المسلسل الذي يكشف في جانب منه عن بعض عمليات الموساد في تركيا، وعملية قتل التاجر السوري بسام الطراشي قبل أيام في العاصمة الهنغارية «وبخاصة أنها ترافقت حينها مع تحليق طائرتي تجسس اسرائيليتين على علو منخفض في سماء بودابست، ما أثار تكهنات بوجود علاقة ما مع الحادثة». تعتقد أوساط سورية بأن ذراع الموساد التي يتحدث عنها مسلسل «صرخة حجر» عبر قيام «ايتان» بتجنيد «يعقوب» في اسطنبول في صفوف الموساد استعداداً لتنفيذ «عمليات قذرة في العاصمة التركية وأمكنة اخرى» يمكن تمتد الى عاصمة اخرى مثل بودابست، بخاصة أن الحكومة المجرية لم تشغل نفسها بتقديم مبررات مقنعة لظهور الطائرتين الاسرائيليتين في سماء هذه المدينة البعيدة. «صرخة حجر» يشكل بهذا المعنى نقطة تحول بالنسبة الى الكثير من السوريين في قراءة مختلفة لفصول من الصراع «الذي لم يكونوا غائبين عنه يوماً». ولكن ها هنا نقطة اقتراب مغايرة هذه المرة، تكمن في الربط المباشر بين بعض أحداث المسلسل وحادثة واقعية وقعت في عاصمة بعيدة منهم، وراح ضحيتها مواطن سوري أثناء تحليق طائرتي تجسس اسرائيليتين فوق المكان الذي اغتيل فيه. اما في مصر فخلص عدد من المشاهدين الى ان «إسرائيل تكره الحقائق، واعتادت على التزييف والتنكيل، في حين تلعب بتبجح دور الضحية؛ لذا يزعجها أي منتوج إعلامي يخالف تلك التمثيلية الهابطة وهو ما حدث مع مسلسل صرخة حجر». تلك هي نظرة بعض المواطنين المصريين على رد فعل إسرائيل المتشنج على عرض «ام بي سي» المسلسل التركي. ويرى أنور عبد الفضيل (صحافي) أن هذا العمل «رفع إلى حد ما الروح المعنوية لدى قطاع عريض من العرب وسط يأس وفشل وإحباط غلفت القضية الفلسطينية منذ سنوات». ويؤكد عبد الفضيل أن الدراما التلفزيونية أو السينمائية تلعب دوراً مهماً في إيصال رسائل لا تستطيع السياسة إيصالها أحياناً. «فالمسلسل بقعة ضوء وسط ظلام، إلا أن الارتكان إلى إنتاج أعمال درامية فقط عن فلسطين من دون خطوات سياسية جادة يعني الوقوع في دائرة مفرغة». ويشير أمين الحفناوي (طبيب) الى أن غالبية المصريين لا تميل إلى الدراما المدبلجة أو الدراما غير المصرية بشكل عام إلا أن المحاولات الاسرائيلية لوقف عرض «صرخة حجر» والخلاف الإسرائيلي التركي حول صدقية المسلسل، لفتت انتباه المشاهد. وتعتقد مشيرة أمير (محامية) أن شهرة المسلسل تقف وراءها «الدعاية الكبيرة من شاشة «ام بي سي». وترى انه يحمل معاني سامية ويطرح قضايا يعاني منها العرب عموماً مع الكيان الإسرائيلي، من دون ان تستثني الجانب التجاري. وتشير الى ان المسلسل فضح اسرائيل، فهي تدعي دائماً تمسكها بالحرية والديموقراطية، ولكن حين يخص الأمر مصالحها وصورتها يسقط قناع العفة وتظهر أنياب الوحش. ومن ابرز تعليقات بعض الصحف المصرية على المسلسل: «ولد «صرخة حجر» من مواقف سياسية تركية مساندة للقضية الفلسطينية ضد الوحشية الإسرائيلية. لم تعد الدراما التركية هي «مهند ونور»، و «سنوات الضياع» فقط بل أيضاً دراما تناقش قضايا مصيرية لمنطقة الشرق الأوسط عموماً والعرب والمسلمين خصوصاً، وهو ما يشجع على إنتاجات مشتركة مع بلد مثل تركيا».