لم أشعر بالرغبة في الاستجابة لكتابة «عمود يومي» مثلما شعرت بها خلال الأسابيع الماضية. فهذا العمود الأسبوعي التزم بكتابة مقالات متسلسلة عن زيارتي للصين في خمس حلقات متوالية، آخرها مقالة الأربعاء الماضي. كانت تأكلني يدي خلال تلك الأسابيع للكتابة عن أحداث يسيل لها لعاب القلم قبل لعابي، جرت وأشغلت العالم وأربكت الصفحات الأولى من الصحف ومواجيز الأخبار.. بأيها تبدأ؟ وأنا ما زلت «أسولف» أين رحنا وأين جئنا في الصين وبمن التقينا، وصديقي العزيز الكاتب إبراهيم البليهي يتواصل معي بعد كل مقالة من الخمس مقالات، فيمدحني حتى أذوب (!) ثم يقول لي لن نقبل بأقل من عشر حلقات عن الصين.. هذا المارد! العالم يغلي.. وسواليف الصين تتوالد كل أسبوع بدم بارد! شهوة الكتابة اليومية تتفاقم عندي أمام أحداث تحرك الجامد: الانتخابات الإيرانية التي أشعلت إيران وأشغلت العالم. وساركوزي الذي يفتخر بالصور العارية لزوجته «المصون» ثم يقود حملة فرنسية ضد حرية الحجاب والنقاب؟ وفاروق قدومي الذي يعلن أن عباس ودحلان اختارا «الموت الرحيم» للزعيم ياسر عرفات. والفارق في الاهتمام العالمي بين حادث الطائرة الفرنسية وحادث الطائرة اليمنية ينبئك بأن البشر ليسوا سواسية حتى في سقوط الطائرات. . مع أن كلا الطائرتين تشتركان في الصندوق الأسود والموت الأسود. وخطاب نتانياهو الذي أعلن فيه «تلطفاً» قبوله قيام دولة فلسطينية.. لكن فقط من دون حكومة ومن دون أرض وربما من دون شعب. ووفاة ملك البوب مايكل جاكسون لا بد أن تستفز الكتّاب الشباب «أمثالي» للكتابة عنها. بل في الصين نفسها، فإن أحداث العنف ضد المسلمين الأويغور في إقليم تركستان الشرقية نكأت جراحاً منسية ظننا أنها اندملت. تلك الأحداث وغيرها كثير مرت خلال الأسابيع الخمسة الماضية جعلتني أقول: لا حل سوى العمود اليومي حتى ألحق بقطار الأوجاع العالمية كل يوم. لكني استعذت بالله من الوسواس، وتذكرت بعض الحالات التي مرت بي من قبل وتمنيت فيها التحول من كتابة مقال أسبوعي إلى مقال شهري.. لأن الأسبوع لم يعد يكفي لاستيعاب سبعة أيام! العمود اليومي هو عملية انتحارية.. لكنها فقط لا تؤدي إلى الموت! والذي يريد أن يجازف ويلتزم بعمود يومي لا بد أن تكون لديه مهنية عبدالرحمن الراشد أو روقان مشعل السديري أو احترافية جهاد الخازن أو مهارة سمير عطا الله أو دونكيشوتية أنيس منصور. هناك أعمدة يومية يجب أن تقرأها في الصباح، تغنيك عن فنجان قهوة الاستيقاظ والانتعاش! وأعمدة أخرى يجب أن تقرأها في المساء تساعدك على النوم.. حتى قبل إكمالها! وبالمنطق الساركوزي / الفرنسي: فإن العمود الأسبوعي «نقاب»، والعمود اليومي «تعري»!! * كاتب سعودي [email protected]