شهد اليمن أمس واحداً من أكثر الأيام دموية بعدما فجر إرهابي من تنظيم «القاعدة» نفسه وسط سرية من الجنود عشية احتفال البلاد بالذكرى الثانية والعشرين لقيام الوحدة بين شطري اليمن في العام 1990، فقتل اكثر من مئة منهم وجرح 300 آخرين، وخلف ذهولاً وحزناً شديدين. وأصدر تنظيم «القاعدة» بيانا تبنى فيه المسؤولية عن العملية الانتحارية وقال انها كانت تستهدف وزير الدفاع اليمني وكبار القادة العسكريين الذين كانوا يحضرون العرض التجريبي، وتوعد بشن مزيد من الهجمات المماثلة في صنعاء اذا لم تتوقف الحملة التي جردها الجيش ضد مواقعها في جنوب البلاد. ووقع الحادث بينما كانت وحدات من الجنود وقوات الأمن المركزي والشرطة وطلاب الكليات العسكرية تجري «البروفة» الأخيرة للعرض العسكري الذي كان مقرراً اقامته اليوم في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء. وضغط الانتحاري، وهو عسكري جندته «القاعدة» في صفوفها، زر تفجير حزام ناسف يبلغ وزنه سبعة كيلوغرامات ويحتوي على 13 الف شظية كان يلفه على خصره وصدره، فتطاير العسكريون العزل من حوله جثثاً وجرحى مقطعي الأوصال. ونقل التلفزيون اليمني مشاهد مؤثرة لأكوام من الجثث والايدي والارجل التي سارع بقية الجنود الى جمعها تمهيداً لدفنها، بينما هرعت سيارات الاسعاف لنقل الجرحى الى المستشفيات التي غصت بهم. وأكدت ل «الحياة» مصادر عسكرية ان التفجير وقع قبل 5 دقائق على بدء طابور العرض التجريبي، وأثناء وصول موكب وزير الدفاع اللواء محمد ناصر أحمد ورئيس هيئة الأركان العامة اللواء احمد علي الأشول إلى ساحة العرض، وفي حضور عدد من قادة الجيش والأمن لمشاهدة وتقييم الاداء وتفقد جاهزية القوات المشاركة. وأضافت المصادر ان الإنتحاري كان يقف في طابور كتيبته عندما فجر الحزام الناسف مخلفاً مجزرة رهيبة في بضع ثوان. وفي حين عم الحزن على الضحايا أرجاء اليمن وتدفق مئات اليمنيين الى المستشفيات للتبرع بالدم، أصدر الرئيس عبد ربه منصور هادي قراراً جمهورياً بإقالة قائد قوات الأمن المركزي اللواء عبد الملك الطيب، وتعيين اللواء فضل القوسي عضو اللجنة العسكرية والأمنية المكلفة بإزالة المظاهر المسلحة خلفاً له، كما تضمن القرار إقالة اللواء محمد القوسي من قيادة شرطة النجدة وتعيين اللواء حسين الرضي خلفاً له، وتعيين العقيد يحيى علي عبدالله حُميد أركان حرب لقوات النجدة وترقيته إلى رتبة عميد. كما أصدر هادي قراراً بتعيين اللواء محمد جميع الخضر وكيلاً لجهاز الأمن القومي (الاستخبارات) لقطاع الشؤون الخارجية. وفي برقية عزاء وجهها الى اسر الضحايا قال هادي ان «القوات المسلحة وقوات الامن اليمنية ستكون اكثر صلابة وأكثر إصرارا في تعقبها للإرهابيين». وعلمت «الحياة» من مصادر مطلعة في صنعاء ان الرئيس كلف وزيري الداخلية والدفاع تشكيل لجنة تحقيق لكشف مرتكبي العملية الإنتحارية، ومن ورائهم، وتقديم تقارير أولاً بأول إليه حول نتائج التحقيقات. وأوضحت المصادر انه تم توقيف عدد من الضباط المسؤولين عن تأمين ساحة العرض العسكري للتحقيق معهم، وقامت قوات أمنية باعتقال عدد من الجنود من مختلف كتائب الجيش والأمن المشاركة في العرض على خلفية العملية الإرهابية. ودانت الأوساط السياسية والقبلية المجزرة، وقال الشيخ ناجي بن عبد العزيز الشايف، شيخ مشايخ قبيلة بكيل، كبرى القبائل اليمنية، ان «هذه الجريمة البشعة تعكس دموية مرتكبيها وحقدهم على اليمن والشعب اليمني، وتؤكد عدم إنتمائهم إلى الدين الإسلامي الحنيف». وأضاف ان الوضع «يوجب على كل أبناء اليمن الوقوف صفاً واحداً متضامنين من أجل القضاء على بؤر الإرهاب». وفي نيويورك، دان الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون «الاعتدءا الارهابي» في صنعاء، وشدد في بيان على أن «العمل الإجرامي هذا لا يمكن تبريره بأي شكل». وقال إن «المتورطين في الاعتداء يجب أن يخضعوا للمحاسبة « داعياً جميع الأطراف الى رفض استخدام العنف بكل أشكاله والعمل على «التطبيق الكامل لاتفاق الانتقال السياسي في اليمن». وفي بروكسيل، قررت المفوضية الاوروبية زيادة مساعدتها الانسانية لليمن بخمسة ملايين يورو من اجل مواجهة الوضع الانساني الذي وصفته ب «الميؤوس منه». وقالت المفوضة المكلفة هذا الملف كريستالينا جورجييفا «ان الوضع الخطير في اليمن اصبح ميؤوسا منه»، موضحة ان الاموال الاضافية ستسمح بالحصول على مياه الشرب ودعم برامج التغذية وتطوير برامج من نوع «المال مقابل العمل» وتقديم اعانات نقدية لمئتي الف شخص.