وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس، مرسوم تشكيل الحكومة الجديدة بعد مداولات استمرت أسبوعاً وأحيطت بستار من التكتم أثار تكهنات عدة وقوبل بانتقادات حادة من جانب وسائل الإعلام. وعلى رغم أن تشكيلة الحكومة الجديدة حملت أوسع تغيير تشهده روسيا منذ سنوات، لجهة أن 75 في المئة من الحقائب الوزارية ذهبت الى وجوه جديدة، لكن التركيبة في شكلها النهائي دلت على سيطرة مطلقة لفريق بوتين وحملت اشارات واضحة إلى رغبة الكرملين في اظهار عدم توجهه الى تغيير سياساته على الصعيدين الداخلي والخارجي. وأتى إعلان بوتين أسماء الوزراء ليضع حداً لتكهنات عدة استمرت منذ أن قدم رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف ترشيحاته قبل أسبوع، في ضوء مشاورات أجراها بوتين في شكل مباشر مع كل من المرشحين على حدة. واجواء التكتم التي فرضها الكرملين على المشاورات اثارت امتعاضاً واسعاً ودفعت صحف كبرى إلى وصف تشكيل الحكومة بأنه «عملية خاصة» في تشبيه بعمليات اجهزة الاستخبارات، وذهبت صحيفة «كوميرسانت» إلى حد «الترحم نهائياً على الديموقراطية». وعلى رغم ذلك، لم يحمل الإعلان عن أسماء الوزراء المكلفين جديداً، إذ كانت توقعات أشارت إلى محافظة وزراء أساسيين مقربين من بوتين، على مناصبهم وبينهم وزيرا الخارجية سيرغي لافروف والدفاع أناتولي سيرديوكوف. وسارع محللون روس إلى اعتبار ذلك «منطقياً» لأن «بوتين لا يرغب في تقديم اشارات حالياً، الى نيته تغيير سياساته حيال الملفات الاقليمية والدولية الساخنة» كما قال معلق روسي أمس. وزراء صقور ومعلوم أن لافروف يعد من «صقور» السياسة الخارجية الروسية. وبرزت مواقفه حيال ملفات مثل «الدرع» الصاروخية و «الربيع العربي» أكثر سخونة حتى من مواقف الكرملين خلال تولي مدفيديف الرئاسة. في الوقت ذاته، يعد سيرديوكوف من أقرب العسكريين الروس إلى خط بوتين الخارجي، ولفت الأنظار الأسبوع الماضي بقوة، عندما وجه تهديداً غير مسبوق للغرب، وقال إن بلاده قد تضرب صاروخياً منشآت «الدرع» إذا شرع «الأطلسي» في نشرها في أوروبا من دون اتفاق مع روسيا. وحافظ وزير المال انطون سيلوانوف على منصبه أيضاً، ما عكس رغبة الكرملين في تقديم تطمينات إلى شركاء روسيا بأن سياساتها المالية لن تشهد تغييراً. ومع الوزراء الثلاثة عزز الكرملين قبضته على الحكومة الجديدة من خلال تثبيت وجود سبعة نواب لرئيس الحكومة كلهم من فريق بوتين الأساسي وأبرزهم إيغور شوفالوف الذي كان مسؤولاً في حكومة بوتين عن الملف الاقتصادي وفلاديسلاف سوركوف الذي يعتبر من سنوات «مخطط الاستراتيجيات الداخلية» وديمتري كوزاك وديمتري روغوزين، الذي عين قبل شهور مسؤولاً عن التصنيع العسكري بعدما تولى لسنوات منصب ممثل روسيا لدى «الأطلسي» ويعد كذلك من «صقور» السياسة الروسية مع الغرب. في المقابل غاب اسم وزير الداخلية رشيد نور غالييف عن التشكيلة الجديدة على رغم أنه من أبرز وجوه فريق بوتين على مدى سنوات طويلة، وتحدثت أنباء عن تعرض موقعه لهزات بسبب تقارير عن سوء معاملة رجال الشرطة لمعارضين وتزايد الشكاوى من فساد داخل الوزارة لكن مقربين منهم نفوا صحة ذلك، وقال أحدهم إن «ملف الوزير موضوع على مكتب الرئيس لتكليفه بمهمة جديدة». وجوه جديدة إلى ذلك حملت التركيبة الوزارية الجديدة أسماء لم تكن معروفة في السابق بشكل واسع بينها فلاديمير كولوكولتسيف وزيراً للداخلية، وفلاديمير بوتشكوف وزيراً للدفاع المدني والطوارئ، وأندريه بيلوسوف وزيراً للتنمية الاقتصادية، والكسندر نوفاك وزيراً للطاقة، وفيرونيكا سكفورتسوفا وزيرة للصحة، ومكسيم توبيلين وزيراً للعمل والحماية الاجتماعية، ودينيس مانتوروف وزيراً للصناعة والتجارة، ومكسيم سوكولوف وزيراً للنقل، ونيكولاي فيودوروف وزيراً للزراعة. وفي أول اجتماع للحكومة الجديدة أعلن مدفيديف المهمات الأساسية الموضوعة أمامها خلال فترة الشهور الستة المقبلة، وأبرزها استكمال قوانين خطط التطوير الاقتصاي ووضع الموازنة الجديدة، وإعداد خطة لزيادة الرواتب وبرامج للاصلاح الاداري في الهياكل الحكومية. وكان لافتاً غياب السياسة الخارجية عن أبرز الملامح التي وضعها مدفيديف لعمل حكومته.