أبدى عبدالحكيم بشّار، رئيس المجلس الوطني السوري الكردي الذي يضمّ 15 حزباً كردياً في سورية، ثقتة في سقوط نظام الأسد. وقال بشّار الذي يعدّ معارضاً محنّكاً ل «الحياة»، على هامش زيارته واشنطن الأسبوع الماضي ولقائه مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى، إنّ إدارة باراك أوباما «رحبت» بمواقف مجلسه، وإن العمل جارٍ لتوصل المعارضة السورية إلى اتفاق حول اللامركزية السياسية و «كالضمانة الأفضل للأقليات في سورية لا سيّما العلويين منهم». كما تحدّث بشّار عن المحاولات غير المجدية التي قام بها نظام الأسد للتواصل مع مجموعته وعبّر عن رفضه التامّ لأي تدخّل عسكري لإنهاء الأزمة. وفي ما يأتي نص المقابلة التي أجراها معه في واشنطن الباحثان عمر حسينو وإلهان تانير، مؤلفا ورقة «الأقلية الحاسمة: دور الأكراد في الحركة الاحتجاجية ضد الأسد» الصادرة عن مركز «هنري جاكسون سوسيتي»: هل ناقشتم مع إدارة أوباما مضمون «الإعلان المشترك» الذي تسعى المعارضة إلى إصداره خلال اجتماعها الأوّل؟ هل تطرحون تطبيق اللامركزية السياسية شرطاً لانضمام المجلس الوطني السوري الكردي إلى هذا الإعلان؟ - عبّرنا أمام المسؤولين الأميركيين عن رأينا بهذا الإعلان الذي يجب أن يتضمّن اعترافاً بالشعب الكردي في سورية كشعب قائم بحد ذاته، وأن يبعث برسالة واضحة إلى الفرقاء الآخرين في المجتمع السوري، أي المسيحيين والعلويين والدروز، مفادها أنّ التغيير في سورية يصبّ في مصلحتهم وفي مصلحة الجميع. كما ينبغي أن يتحوّل هذا الإعلان إلى وثيقة تشكّل القاعدة الأساسية لإرساء دستور جديد بعد سقوط نظام الأسد وأن يحظى رسمياً بضمانات دولية ومن جامعة الدول العربية. يعزى أحد أسباب امتناع العلويين والدروز والأقليات الأخرى عن المشاركة في الثورة إلى الخوف من المستقبل. يجدر بنا إعطاؤهم ضمانات حول المستقبل. ففي حال شاركوا في الثورة، لا يعرفون أو لا يملكون بالأحرى تصوّراً لما ستؤول إليه الأمور عقب سقوط النظام. يرغب المجلس الوطني السوري الكردي في أن تكون الوثيقة واضحة وألا تحتوي على عموميات سطحية كي يطمئن العلويون أو الدروز حين يقرأونها بأنها تضمن مستقبلاً آمناً لهم. سندافع عن اللامركزية السياسية حتى النهاية. نحن مقتنعون بأنّ اللامركزية السياسية تقدّم ضمانات إلى الفرقاء الآخرين في المجتمع في ما يتعلّق بمستقبلهم بعد سقوط النظام وتشجّعهم على المشاركة في الثورة. لن أقول ما إذا كنا سنضعها شرطاً أم لا، سأكتفي بالقول إننا سندافع عنها، لكنني أرى أننا سنتوصل إلى تفاهم في ما يتعلّق بهذه المسألة التي يمكن أن تستقطب وجهات نظر متعدّدة. تدعم الأكثرية الساحقة من العلويين النظام بشدّة باستثناء بعض المفكرين وبعض الشخصيات الأخرى. وفي حال نجحنا في فصل العلويين عن النظام سننجح حينها في إسقاطه. أما السبيل لبلوغ ذلك فيقضي بتقديم ضمانات بتوفير الحماية لهم علماً أنّ هذه الضمانة تعتبر لامركزية سياسية. فهم يخشون من أن يتسلّم العرب السنّة زمام السلطة بعد سقوط النظام ومن أن يسعوا إلى الثأر منهم. حين تكون اللامركزية السياسية موجودة سيحظون بخصوصية معيّنة في مناطقهم. ومن دون اللامركزية السياسية سيكون النزاع طويلاً وقاسياً في سورية بعد سقوط النظام، لا سيّما من جانب العلويين ومن جانب المناطق التي تعيش فيها الأقليات. اللامركزية السياسية ضمانة للجميع هل لأنهم خائفون من أن تمارس الأكثرية استبداداً مذهبياً؟ نعم، لقد أدت هذه المسألة إلى نشوب قتال حقيقي. ويتمّ اتهام العلويين حالياً بمساندة النظام. يحظى العلويون في ظلّ هذا النظام بامتيازات خاصة في سورية. يجب بالتالي إعطاؤهم ضمانات، كما ينبغي عدم تحميلهم جميعاً مسؤولية الجرائم التي ارتكبها النظام. يجب إعطاؤهم ضمانات، باستثناء الأشخاص المعروفين بأنهم شاركوا في الجرائم ضد الشعب السوري وحقوقه. وهذ أمر يرتبط بالقانون، سواء كانوا علويين أو انتموا إلى طائفة أخرى. هل كان ردّ الإدارة الأميركية إيجابياً إزاء موقفكم؟ - نعم، خلال الاجتماع الأخير الذي عقدناه مع مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان، أخبرناه بأننا نتوقع سقوط النظام في حال تمّ تطبيق اللامركزية السياسية. فأجاب «نحن مرتاحون لهذا الموقف». لقد أبدوا ارتياحهم من موقفكم إلا أنهم لا يزالون يعترفون من الناحية الشرعية والديبلوماسية بالمجلس الوطني السوري، وهو الهيئة نفسها التي لم تحد قيد أنملة عن موقفها من مسألة اللامركزية السياسية. - أظن أنهم سيغيّرون رأيهم في هذا الشأن. هل طلبتم منهم تغيير رأيهم؟ - كلا، طلبنا منهم المشاركة في توحيد المعارضة. كيف؟ - من خلال وثيقة سياسية... ما الذي تريدونه بالتحديد من الأميركيين؟ هل تريدون مساعدتهم على بلوغ وثيقة مماثلة؟ - نريد أن يمارسوا الضغوط على المجلس الوطني السوري وعلى جامعة الدول العربية وعلى الأفرقاء كافة الذين يملكون روابط بأميركا، من أجل تسهيل التوصّل إلى وثيقة مشتركة تضمن حقوق السوريين والمناطق كافة في سورية في المستقبل. هل لمستم خلال اجتماعكم بالإدارة الأميركية استعداداً لممارسة الضغوط؟ - لم يعبّر الأميركيون صراحة عن استعدادهم لممارسة الضغوط غير أنّهم فهموا في رأيي موقفنا. لقد اجتمعنا بمسؤولين في البيت الأبيض وفي وزارة الخارجية، وقال لنا السفير الأميركي في سورية روبرت فورد إنّ الإدارة مرتاحة لموقفنا إزاء الوضع السوري. رفض كلّ من حسن عبدالعظيم من «هيئة التنسيق الوطني» وبرهان غليون من «المجلس الوطني السوري» الفيديرالية، فيما عبرت الهيئتان عن تأييدهما لجمهورية تحظى «بمبادئ لامركزية». وورد في الرسائل الإلكترونية العائدة للمجلس الوطني السوري التي تمّت قرصنتها قولهم «لقد أعطينا الأكراد كل ما في وسعنا ويجب عليهم تغيير موقفهم». ما رأيكم بذلك؟ - هذه هي المشكلة. يجب التخلّص من عبارة «أعطيناهم». الأعضاء في المجلس الوطني السوري ليسوا حكّام سورية. نحن نبحث عن عقد اجتماعي جديد يجمع شرائح المجتمع كافة في وطن واحد. لا يسعنا في سورية الجديدة استخدام عبارة «أعطيناهم» و «أعطونا». لا أطالب بالحصول على حقوقي من برهان غليون ولا من الإخوان المسلمين ولا من حسن عبدالعظيم. أنا أطالب بحقوق الشعب السوري بأكمله. أنا مواطن كردي سوري. ونحن نرغب في أن يتمّ إصدار وثيقة تعطي شرائح المجتمع كافة حقوقها. لا نطلب ذلك من أي أحد فهذا حقنا. عبّر برهان غليون عن تأييده اللامركزية، إلا أنّ المجلس الوطني السوري الكردي اعتبر أن التعبير عن الرغبة في تطبيق «اللامركزية السياسية» ليس كافياً. هلا فسرتم لنا ما هو الفرق؟ - لقد عبّر برهان غليون عن تأييده اللامركزية الإدارية. وثمة فارق كبير بين اللامركزية الإدارية واللامركزية السياسية. يتمّ حالياً تطبيق اللامركزية الإدارية في سورية كأساس لنظام الإدارة المحلية. هل تعدّ اللامركزية السياسية شكلاً من أشكال الفيديرالية من دون استخدام كلمة فيديرالية؟ - كلا، يمكن أن تكون فيديرالية وأن تعطي سلطة للمجالس المحلية. فهي تقوم على توزيع الصلاحيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والإدارية بين الحكومة المركزية والمجالس الإدارية المحلية حول مسائل معيّنة يحددها الدستور. ما هي الاستراتيجية التي ستتبعونها للتوصل إلى لامركزية سياسية؟ - أظن أنه حتى لو لم نقم بأي شيء ستصل المعارضة السورية إلى الخلاصة نفسها التي وصلنا إليها. آمل بألا يكون الأوان قد فات حينها. سيدركون بالطبع أنّ اللامركزية السياسية هي الحل لسورية، لأنه في حال سقوط النظام لن يكون العلويون قادرين في رأيي على ضمان حقوقهم من دون لامركزية سياسية. هل اتصل بكم نظام الأسد؟ - اتصل بنا النظام أكثر من مرة. وتمت دعوتنا مرتين إلى الاجتماع به إلا أننا رفضنا. في المرة الأولى تمت دعوة خمسة من أعضائنا ورفضنا، وفي المرة الثانية تمت دعوة الحركة الكردية كلّها فرفضنا. كما اقترح نائب الرئيس فاروق الشرع لقاء المعارضة والتحدّث معها فرفضنا. لن نتحدث مع النظام. قد نوافق على لقاء النظام في حال قررت المعارضة السورية بمكوناتها كافة التحدث معه. حينها فقط نكون مستعدين للتحدّث مع النظام. لن يتمّ إجراء حوار كردي مع النظام وحده. لقد سبق أن اتخذنا هذا القرار. ما هي حدود المحافظات في اللامركزية السياسية؟ هل هي الحدود الحالية القائمة في المحافظات السورية ال14؟ - من المبكر الحديث عن هذه المسائل. نحن في حاجة الآن إلى مناقشة المبادئ العامة التي ستسود سورية الجديدة. سيتمّ اعتبار هذه الوثيقة الجديدة مبدأ أولياً على أن يتمّ في ما بعد تحديد كيفية تطبيقه، مع العلم أنّ ذلك يجب أن يتمّ بحضور خبراء وإداريين وباحثين قانونيين بهدف قوننة معنى هذه المسائل. كردستان وتركيا قيل إن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني المقرّب من مجلسكم قد أثر في تغيير موقف المجلس حيال اللامركزية السياسية بعد لقائه أردوغان. هلا فسرتم ذلك؟ - لم يتغيّر موقفنا كثيراً. لقد طرحنا خطة سياسية للمرحلة الانتقالية. لكن يستحيل برأينا أن يتمّ تقبل خطتنا أو خطة المجلس الوطني السوري أو هيئة التنسيق الوطنية بالكامل. يجب التوصل إلى اتفاق بحيث تدافع كل مجموعة معارضة عن وجهة نظرها ومن أجل سورية. إن لم نصل إلى اتفاق حول اللامركزية السياسية فسنطالب بها في وقت لاحق. غير أنّ مطالبنا كثيرة، ومنها على سبيل المثال اللامركزية السياسية والعلمانية والمساواة الدستورية بين الرجل والمرأة وحرية المعتقد للسوريين كافة. حين نبدأ بكتابة دستورنا نريد أن يكون هذا النص أساساً لسورية جديدة تضمن حقوق السوريين كافة. غير أنّ المجلس يدرك أنّه يستحيل الحصول على مطالبنا كافة دفعة واحدة. نرغب في بلوغ اتفاق مع مختلف أعضاء المعارضة. ما علاقتكم بحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي التابع لحزب العمّال الكردستاني؟ - في بداية الثورة، عقدنا اتفاقاً مع حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي باسم الحركة الكردية في سورية. وحين تمّ تأسيس المجلس الوطني الكردي شاركوا معنا في جلسات الحوار. إلا أنهم انسحبوا في الدقيقة الأخيرة قبل أن نؤسس المجلس الوطني الكردي السوري. وثمة اختلاف في وجهات النظر حول مسائل عدّة. غير أنّ المجلس قرّر إنشاء لجنة للحوار مع حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي لمحاولة تقريب وجهات النظر حول مسائل أساسية أو أقله لمحاولة تفادي نزاع بيننا. ما رأي مجلسكم بالجيش السوري الحرّ؟ - نحن ثورة سلمية ولا نؤيّد تحويل الثورة إلى ثورة عسكرية. يقولون إن بعض الكتائب الكردية منضوية تحت لواء الجيش السوري الحر. - هذا ليس صحيحاً. لكن ثمة أشرطة مصوّرة تؤكّد ذلك. - نجد عدداً كبيراً من أشرطة الفيديو على شبكة الإنترنت لا تمت للحقيقة بأي صلة. تربطنا علاقة قوية بمسعود بارزاني وهي أقوى من أي علاقة تربطه بأي حزب كردي سوري آخر. وفي الوقت نفسه نحن ضدّ تسليح الشعب السوري. هل تؤيدون التدخّل الأجنبي؟ - كلا، لا أؤيده على الإطلاق. في حال وجود وثيقة سياسية تضمن بوضوح حقوق الشعب السوري في المناطق كافة سيشارك الشعب كلّه في الثورة وسيؤدي ذلك إلى سقوط النظام. يبدو النظام السوري عاجزاً عن بسط سلطته على كلّ الأراضي السورية. من شأن هذه الوثيقة أيضاً فصل العلويين عن النظام. لو علم العلويون أنّ النظام ضعيف وعلى وشك الانهيار وفي حال كانوا يملكون ضمانات بأنهم سيعيشون بحرية وكرامة، فسيتخلون عن النظام. لم ينشأ الجيش السوري الحرّ نتيجة قرار سياسي بل نشأ نتيجة انشقاق ضباط عن الجيش السوري بعد أن رفضوا قتل المدنيين. في الواقع، يبدو الجيش السوري الحرّ خارج سورية مجرّد اسم وهو يحيل داخل سورية إلى مجموعات متعدّدة ذات انتماءات متعدّدة. ثمة خوف من أن تتحوّل المجموعات المختلفة المنضوية تحت لواء الجيش السوري الحر بعد انتهاء الثورة إلى ميليشيات في إطار حرب أهلية وعمليات قتل داخلية، كما حصل في لبنان والعراق، ونحن نخشى ذلك. أما في ما يتعلّق بالتدخّل الأجنبي، لا نريد تدمير الاقتصاد السوري والجيش وأسلحته لأن سلاحه هو سلاح وطني. فالتدخّل الخارجي يعني تدمير الجيش السوري والرادارات والأسلحة. نحن نرى أن الوثيقة المشتركة التي تقدّم ضمانات للمجموعات كافة هي الطريق الأقصر والأضمن لإسقاط النظام، ولإنقاذ سورية على المدى الطويل بعد سقوط النظام. هل تعارضون قيام منطقة عازلة تركية؟ - نعم، نحن نعارض قيام منطقة عازلة مع تركيا. ماذا يمكن أن تفعل تركيا؟ - تعدّ تركيا بلداً مجاوراً لنا وتملك حدوداً طويلة مع سورية. نحن نرغب في إقامة علاقات جيدة معها، لكننا نرى أن دور تركيا في الثورة السورية لم يكن إيجابياً. لقد دعمت فريقاً من المعارضة وهذا سبب انقسام المعارضة. أما في ما يتعلّق بالأكراد، فلا ترغب تركيا في تقديم ضمانات دستورية إليهم في سورية. التقينا الأتراك وقلنا لهم إنكم كنتم خائفين في البداية من تجربة كردستان العراق فيما اليوم هم أفضل صديق لكم. ويمكن أن يحصل ذلك من جديد. نحن الأكراد نعيش على الحدود مع تركيا التي تمتد على طول 1500 كيلومتر. قد نصبح شركاء حقيقيين في هذه المسألة سياسياً واقتصادياً، وقد تصبح هذه المناطق آمنة بالنسبة إلى تركيا.