تركت أعمال العنف الطائفية في محافظة ديالى العراقية بصماتها وآثارها الاجتماعية والاقتصادية ما بات يهدد جيلاً من الأطفال والصبية توزعوا في الأسواق وورش العمل بحثاً عن مورد رزق لأسرهم وأصبحوا هدفاً لاستقطاب المجموعات المسلحة، في وقت تعاني غالبية من الأرامل أوضاعاً اقتصادياً متردية دفعت بهن الى امتهان أعمال مماثلة. وعلى رغم التحذيرات الدولية والانسانية من مخاطر لجوء الأطفال إلى سوق العمل، الا أن الايتام في العراق يعانون تجاهل منظمات الاغاثة وغياباً حكومياً لمعالجة حالات عدة. ويؤكد اختصاصيون في الاجتماع والطب النفسي في المدينة أن «انخراط هذا العدد من الأطفال والصبية في سوق العمل من شأنه أن يؤدي الى إيجاد جيل جديد لا تتلاءم طبيعته مع تكوين المجتمع بسبب اكتسابهم عادات وتقاليد خارجة عن الاطار المألوف». ويقول صبيح محمد (اختصاصي علم النفس) ل «الحياة» أن « انعدام الرقابة الحكومية والاجتماعية لظاهرة عمالة الاطفال سيترك آثاره السلبية على طبيعة الاسرة العراقية مستقبلاً وقد يتحول بعض من هؤلاء الى ضحايا اعمال مسلحة بعد تجنيدهم من قبل خلايا موالية لتنظيم «القاعدة» او تشكيل عصابات اجرامية تهدد استقرار المدينة اجتماعياً وأمنياً». وكان تخوف مسؤولين أمنيين من استغلال المجموعات المسلحة لظروف اطفال السوق لاشراكهم في العمليات المسلحة، تحقق بعد اعتقال14 طفلاً ينتمون الى تنظيم مسلح اطلق عليه اسم «طيور الجنة» في كركوك فيما يخضع آخرون دون العاشرة الى التحقيق في ديالى بعد اعتقالهم اثناء توزيع منشورات تحريضية مقابل مبالغ مالية في اكثر من حي جنوبالمدينة . ويرى مسؤول امني طلب عدم ذكر اسمه ل «الحياة» أن «الاجهزة الامنية في محافظة ديالى اعتقلت عدداً من الاطفال وهم يوزعون المنشورات التحريضية، وأخرى للاعلان عن تنظيمات مسلحة وانهم قيد التحقيقات للوصول الى الجهات التي جندتهم لهذه المهمة». ودعا المسؤول «الجهات المعنية لإيجاد حلول عاجلة لظاهرة عمالة الاطفال، محذراً من أن يؤدي تجاهل هذه المطالب الى خلق تنظيمات مسلحة جديدة بعد زرع بذرة الطائفية في عقول الاطفال واقناعهم بفكرة الجهاد التكفيري». ويؤكد أستاذ علم الاجتماع في جامعة ديالى علي وتوت أن «اعمال العنف لم تتسبب في إلحاق ألاذى بآلاف العائلات التي فقدت معيليها، بل ان الضرر تجاوز ذلك الى الناحية الاقتصادية وانعكس الأمر سلباً على الأطفال الذين اجبروا على ظروف معيشية واجتماعية صعبة بعدما ترك المئات منهم مقاعد الدراسة للالتحاق بالعمل في مهن خطرة ينتهك اغلبها حقوق الأطفال ما سيفتح الباب امام لجوء البعض الى المجموعات المسلحة لتنفيذ هجمات مقابل مبالغ مالية في وقت ادمن بعضهم الحبوب المخدرة». ويقول سمير (9 سنوات) انه اضطر الى العمل في ورشة لصيانة السيارات مقابل خمسة الاف دينار يومياً لاعالة اسرته فيما يبيع اشقاؤه الخضار واكياس البلاستيك في السوق» . ويتابع سمير، الذي كان يأمل ان يصبح طياراً، «اتعرض للاهانة والشتائم من صاحب العمل يومياً» . وتؤكد مجموعة من الصبية، استظلت خلف محل لبيع الدواجن للاستراحة من حرارة الصيف في سوق بعقوبة، أن لديهم اشقاء يعملون في التسول على الطرق الرئيسة ومنهم من استبدل عمله بعمل شقيقته. وتقول فاتن (10سنوات) إن والدتها طلبت منها الانتقال الى بيع اكياس البلاستيك في سوق الخضار بدلاً من التسول في الشارع بعد مضايقات وتحرش اصحاب المركبات. وتضيف « قتلت القاعدة ابي العام الماضي ولم يترك لنا ما نعيش به» . ومع انتشار مجموعة من الصبية يحملون الصحف والمناديل والسجائر بين المسافرين في كراج بعقوبة الكبير، يؤكد صلاح، الذي يعمل في أحد المطاعم نادلاً، ان ما يحصل عليه يومياً لا يسد متطلباته وحده خصوصاً بعدما أدمن التدخين. ويضيف «اعمل 14 ساعة يومياً وصاحب العمل يرفض زيادة أجري... انهم يستغلون ظروفنا واوضاعنا لاننا ايتام وليس هناك من يسأل عنا».