أكد الدكتور عبدالرحمن الشبيلي أن الراحلين حمد الجاسر وعبدالله بن خميس إضافة إلى الرحالة محمد العبودي، خرجوا من قلب نجد، «وجميعهم قوميون وتنوريون قبل أوانهم»، مشيراً إلى أنهم «عانوا من التهميش حيناً ومن الإيقاف وحجب كتاباتهم، وأصبحت الآن مطالبهم تلك سياسات تقدم، وجميعهم لم يكونوا ممن يفاخرون بألقابهم وقضوا حياتهم مكافحين داعمين للعلم والثقافة، وكان ما يميزهم نكران الذات والتضحية والتواضع». وقال، في «ليلة الوفاء»، التي نظمها نادي الرياض الأدبي بالتعاون مع كرسي صحيفة «الجزيرة» وجامعة الأميرة نورة مساء الثلثاء الماضي، وشارك فيها أميمة الخميس ومنى حمد الجاسر وفاطمة محمد العبودي، وشهدت حضوراً كبيراً، إنه شخصياً كان قريباً منهم في مراحل عديدة، لافتاً إلى أن كريماتهم في عرضهن السخي، في ليلة الوفاء، «جعلونا نقترب منهم أكثر لأننا سمعنا عنهم دروس في الصبر والعزيمة القوية والتقدمية بأفكارهم وعلاقاتهم». وفي «ليلة الوفاء» تساءلت الكاتبة أميمة الخميس عما إذا كان الأمر مصادفة أن تتحدث عن والده، قبل يومين من حلول الذكرى الأولى لوفاة عبدالله بن خميس، «وأن يكون الحديث عنه في النادي الأدبي الذي أسسه، وكان أول من رأسه»، وأن تأتي «ليلة الوفاء» برعاية من كرسي صحيفة «الجزيرة» التي أسسها، ومن جامعة الأميرة نورة، «وهو الذي نادى بتعليم الفتاة وحض على دخولها معترك التعليم وكان ممن طالب بذلك»، مؤكدة أن لهذا الرجل «أثراً لا ينسى». وقالت: حين يغيب رجل المرأة الأول لا يغيب اسمه الذي التصق باسمها وعلى دفاترها من أول يوم دراسي، وكان ملتصقاً باسمها في أول مقالة لها، وفي شهاداتها الدراسية، وصوته يؤذن في آذان أولادها بعد ولادتهم فهو لا يندثر، ذاك الرجل المسن الذي يجلس تحت سدرة البيت وهو يسترجع معلقة الأعشى: ودع هريرة إن الركب مرتحل...». وأضافت أن عامها الأول كان صعباً من دونه. وتطرقت في الحديث عن والدها، من بداية حياته في بلدة الدرعية الوادعة، حين أعلن رغبته لوالده في الدراسة، ذاكرة صوراً عرفتها عنه حين ألقى قصيدته أمام الملك عبدالعزيز في مدرسة دار التوحيد بالطائف، وعن رحلاتهم معه إلى مدن المملكة وهو يحدثهم طوال الرحلة عن كل سهل ووادي وجبل يمرون به. كما توقفت عند دوره في قضية فلسطين وتسمية شارع باسمه في غزة، وعن المثقف النوعي، على رغم أنه ابن ثقافة كلاسيكية. وتحدثت عن علاقته بهم وعاداته معهم، عن حرصه على عدم غيابهم عن المدرسة يوماً، وحرصه على متابعتهم صحياً، عن اهتمامه بأن يجلب كل آلة اتصال جديدة في زمن لم تكن هذه الآلات منتشرة، عن أفلام كان يشاهدها معهم بآلة عرض منزلية، وأسطوانات كانوا يحظون بها ومسجلة كانت تتصدر المكان. وتناولت بالحديث مكتبته العامرة، وتحريضه لهم على اقتناء الكتاب وقراءته، عن حديقته السرية وكفالته لأرامل وأيتام ومهددين بالإبعاد عن البلاد، وانتهت بقولها «ربما لن أتوقف عن حديثي عنه فأنا بشيخي معجبة». وكانت الأمسية بدأت بحديث منى بنت حمد الجاسر عن والدها، قائلاً: هكذا عرفت أبي، الأب القريب جداً من أسرته، على رغم همومه الموزعة ومشاغله العديدة، الأب المرح والإيجابي في علاقاته الاجتماعية والإنسانية». واستعرضت منى عديداً من القصص عن والدها «علامة الجزيرة العربية الذي أسس ورصد ووثق تاريخ وجغرافية الوطن عبر مسيرته ومن خلال رحلاته واهتمامه بالرحلات، وتأسيسه لمجلة «اليمامة» واهتمامه بإصدار مجلة «العرب»، الأب والإنسان. عرَّفته لنا السير الذاتية والغيرية بأنه ذلك الطفل اليتيم الذي فقد أبويه في سن مبكرة، وتلقى العلم في محاضن عدة، ثم تقلب في المناصب؛ لكن الأبرز في سيرته كانت رحلاته وتصدره لتأسيس الصحف والمجلات، وأعماله المنشورة التي بلغت 1100عمل». وتناولت منى الجاسر انتصاراته وخيباته، وتحدثت عن كيف كان تنويرياً في عصره، إذ كان ممن نادوا بتعليم المرأة وعملها، تحدثت عن عاداته اليومية ولقائه بأصدقائه ورحلاته التي يغيب فيها، وعن مكتبته الأثيرة . وفي ورقة الوفاء الثالثة تناولت الدكتورة فاطمة العبودي حياة والدها الذي تعلم في مدارس بريدة وعلى أيدي مشايخها. وتطرقت إلى كتبه التي أصدرها، وعن رحلاته التي لم يتوقف عنها، وعن الجوانب الإدارية التي تنصبها، تحدثت عن نزاهة الأب المعلم الذي جعلها تعيد قلماً رصاصاً يوماً إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، حين صحبها معه ذات يوم في طفولتها وحين أنبها بألا تأخذ ما ليس لها به حق، وتحدثت أيضاً عن مؤلفاته التي بلغت 167 مؤلفاً في أدب الرحلات، و50 معجماً في اللغة، وعن الأب الذي يطبق وسائل الإدارة الحديثة منذ بداياته، إدارة المعرفة، وكأنما كان يستشرف المستقبل. وذكرت العبودي أن من أهم ما يتميز به والدها «ذاكرته القوية، والتزامه بالمواعيد، استيقاظه المبكر وقراءته الصباحية، ومواعيد الطعام التي يجب احترامها من الجميع، الأعياد السنوية وكيف يقضيها معنا وفعاليات يوم الضحى والشواء بصحبة الأولاد والأحفاد، أهازيجه ورحلاته البرية للصيد في وادي العاقول بالمدينة المنورة، واعتماده على والدتي في إدارة شؤون البيت ورعاية الأبناء ومتابعتهم حين غيابه». كما توقفت عند حرصه على تعليمهم ومتابعتهم إلى درجة أن والدته كانت قد أطلقت عليه يميناً ألا تزوره إن جعل بناته يكملن التعليم، ولكنه مع ذلك لم يهادن في هذا الأمر، ما جعلها تتراجع عن يمينها وتكفر عنه. وأضافت أنها وأخوتها تعلموا المحافظة على تناول الغذاء الصحي من والدهم، الذي كان حريصاً وبعيداً جداً عن الدهنيات والملح والسكر، وكيف أنه أثر في الجميع بهذا الأمر. وتناولت هواياته بخلاف الرحلات، «فكان صيد الطيور والقراءة وتعلم اللغات إذ تعلم الإنجليزية بنفسه، وتعلم اللغة السواحلية وقليلاً من الإسبانية، وتناولت عاداته في الكتابة والتدوين وترتيبه لمكتبته العامرة. وفي المداخلات علق أيضاً الدكتور حمد الدخيل على الأوراق المقدمة. وممن تحدث أيضاً الأديب حمد القاضي، الذي قال: إن هؤلاء الثلاثة ميزتهم وجمعتهم عصاميتهم، وتحديهم لظروف الحياة والمجتمع القاسية». وتمنى القاضي أن يتكرر الأمر مع أدباء آخرين مثل عبدالله بن إدريس وسعد البواردي وعبدالكريم الجهيمان.