غيّب الموت نائب الرئيس المصري السابق زكريا محيي الدين عن عمر ناهز 94 عاماً، ليُدفن معه كنز من أسرار السياسة المصرية التي رفض البوح بها حتى لقريبين منه وجمعها منذ انقلاب العام 1952 الذي كان أحد مهندسيه، قبل أن يتولى تأسيس الأجهزة الأمنية لنظام «الضباط الأحرار»، خصوصاً جهاز المخابرات العامة. وتقدم رئيس المجلس العسكري الحاكم المشير حسين طنطاوي ونائبه الفريق سامي عنان ورئيس الوزراء كمال الجنزوري ورئيس المخابرات العامة اللواء مراد موافي وكبار قادة القوات المسلحة والشرطة مشيعي محيي الدين أمس الى مثواه الأخير. ونعا مرشح الرئاسة الناصري حمدين صباحي «المناضل الثائر ورجل الدولة الذي حجز مكانه في أنصع صفحات تاريخنا المعاصر»، فيما قال المرشح للرئاسة الفريق أحمد شفيق إن الراحل كان «سياسياً وطنياً عظيماً تمتع بحب جماهير المصريين وقدم لبلده خدمات جليلة». ولد محيي الدين في 5 تموز (يوليو) 1918 في قرية كفر شكر في محافظة القليوبية. والتحق بالمدرسة الحربية في العام 1936، ليتخرج منها برتبة ملازم ثان بعد عامين ويتم تعيينه في كتيبة بنادق المشاة في الإسكندرية، ثم انتقل إلى منقباد في صعيد مصر في العام 1939 لتبدأ علاقته بجمال عبدالناصر. وعمل الرجلان معاً في السودان التي أوفد إليها محيي الدين في العام 1940 وتعرف هناك على عبدالحكيم عامر. وشارك محيي الدين في حرب فلسطين العام 1948، وكان مكلفاً الاتصال بالقوة العربية المحاصرة في الفالوجا وتوصيل إمدادات الطعام والدواء لها. وبعد انتهاء الحرب عاد إلى القاهرة ليعمل مدرساً في الكلية الحربية ومدرسة المشاة. ورغم أن محيي الدين انضم إلى تنظيم «الضباط الأحرار» قبل انقلاب تموز (يوليو) 1952 بنحو ثلاثة أشهر، إلا أنه لعب دوراً كبيراً في الانقلاب ضمن خلية عبدالناصر وشارك في وضع خطة تحرك القوات المشاركة، كما كان المسؤول عن عملية تحرك الوحدات العسكرية وقاد محاصرة القصور الملكية في الإسكندرية أثناء تواجد الملك فاروق الأول هناك. وعهد «الضباط الأحرار» إلى محيي الدين إدارة المخابرات الحربية بين عامي 1952و1953، قبل أن يعين وزيراً للداخلية العام 1953، وأسند إليه عبدالناصر في العام 1954 تأسيس جهاز المخابرات العامة، ثم عين بعد ذلك وزيراً لداخلية جمهورية الوحدة مع سورية في العام 1958. وقاد في السنوات الأولى لحكم الضباط مهمة مواجهة خصوم النظام الجديد، كما عهدت إلى المخابرات الحربية في عهده القصير ملفات داخلية وخارجية مهمة. ودفع ميل محيي الدين إلى فرض قبضة أمنية مشددة، زملاءه في المخابرات الحربية إلى تسميته «بيريا»، نسبة إلى رئيس البوليس السياسي السوفياتي لافرينتي بيريا الذي صفى بوحشية خصوم الديكتاتور جوزيف ستالين. وقال رئيس حزب «التجمع» رفعت السعيد إن محيي الدين «كرَّس خبرته وجهوده لحماية تنظيم الضباط الأحرار». وأضاف: «شهدت مصر أثناء توليه وزارة الداخلية بعض التجاوزات، لكن لم يتم الإشارة إلى مصدرها. وقبل وفاة الرئيس عبدالناصر، ظل صامتاً محتفظاً بكنوز من الأسرار رفض البوح بها حتى معي، كما رفض الإفصاح عنها حين توسط خالد محيي الدين في ذلك الأمر». وتمنى السعيد أن يكون محيي الدين كتب مذكراته قبل وفاته وأن تبادر أسرته بنشرها «لأنها ستكون في حال وجودها كنوزاً من المعلومات». وعيَّن عبدالناصر محيي الدين نائباً للرئيس للمؤسسات ووزيراً للداخلية للمرة الثانية في العام 1961. وبعدها بأربع سنوات، عينه رئيساً للوزراء ونائباً للرئيس. وعندما أعلن عبدالناصر تنحيه عن الحكم اثر هزيمة حزيران (يونيو) 1967، كلف محيي الدين تولي شؤون البلاد. لكن محيي الدين استقال بعد تراجع عبدالناصر وأعلن اعتزاله الحياة السياسية في العام 1968.