«إحباط محاولة هجرة غير شرعية ل74 شاباً من ست محافظات مصرية»، «حبس 11 متهماً في قضية هجرة غير شرعية للشباب في الإسكندرية»، «انتحار شاب لفشله في محاولة هجرة غير شرعية»... عناوين ما زالت تتصدر الصحف ولم تفلح الثورة المصرية أو رياحها الربيعية أو حتى أعاصيرها السياسية، في تغيير مسارها أو الحد من تواترها. فمن يعتقد أن مشكلات البطالة وتشغيل الشباب وإيجاد فرصة عمل وحياة كريمة تأثرت بالهبوب الربيعي، مخطئ. فالآثار الجانبية لإرهاصات الثورة وسوء إدارة المرحلة الانتقالية، وقفز تيارات الإسلام السياسي على السلطة من دون تدبر، وتقوقع أصحاب الفكر الليبرالي في صراعاتهم الداخلية، والانفلات الأمني الذي ألقى بظلاله على المصانع والشركات وأماكن العمل التي أغلق بعضها، لم تؤد إلا إلى تفاقم معضلة بطالة الشباب التي هي أصلاً من أسباب اندلاع الثورة. ولما كانت إيطاليا على رأس قائمة الدول التي يحاول الشباب المصري الهجرة إليها بسبل غير شرعية على الأغلب، بحكم القرب الجغرافي، ووجود عدد كبير من المهاجرين المصريين العاملين هناك، ما يسهل من فرص إيجاد أعمال دونية للمهاجرين الجدد، فكرت كل من إيطاليا ومصر، بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة والمجلس القومي للطفولة والأمومة، لحل المشكلة بطريقة «داوها بالتي كانت هي الداء»، أو بلغة الديبلوماسية والعلاقات الدولية «تحسين الشراكة الاستراتيجية لخلق بدائل توظيف مستدامة ولتعزيز قنوات الهجرة الشرعية». وتبلورت أولى نتائج هذه الشراكة قبل أيام بافتتاح «المدرسة الفنية المتقدمة للشؤون الفندقية والخدمات السياحية» في محافظة الفيوم. ويهدف المشروع - الذي يموله الجانب الإيطالي – إلى تعليم وتدريب الشباب المصري كي يكون مؤهلاً إما للحصول على فرصة عمل حقيقية تؤمن دخلاً كريماً في مصر، أو للهجرة إلى إيطاليا ولكن بعد حصوله على مستوى تدريب معترف به في أماكن العمل الإيطالية. ويأتي اختيار محافظة الفيوم لتكون مركزاً للمشروع لأسباب عدة، فهي إحدى المحافظات الأكثر فقراً في مصر طبقاً لمؤشرات التنمية البشرية، كما أنها المحافظة الأكثر تصديراً للشباب المقبل على الهجرة غير الشرعية لإيطاليا. ويقول الأمين العام للمجلس القومي للطفولة ومساعد وزير الصحة الدكتور نصر السيد انه تم اختيار محافظة الفيوم لتنفيذ نشاطات وفعاليات المشروع المصري الإيطالي المشترك لأنها من أكثر المحافظات تصديراً للهجرة غير المشروعة، مشيراً إلى أن الحملة التي نظمت لتوعية الشباب في الفيوم بالهجرة الآمنة وبدائلها «بدأت تؤتي ثمارها برفع درجة الوعي حول المخاطر المرتبطة بهذا النوع من الهجرة، لا سيما أنها تنتشر في شكل ملحوظ بين الشباب القصر الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و18 عاماً». ويشار إلى أن إيطاليا صرحت قبل أشهر بأن القاصرين يشكلون نسبة 41 في المئة من المهاجرين المصريين غير الشرعيين الذين وصولوا إيطاليا في عام 2011. ويعتبر الجانب الإيطالي – ممثلاً في وزارتي العمل والسياسات - هذا المشروع القائم منذ عام 2010 وأعيد احياؤه قبل أيام، بمثابة استجابة مستدامة ووقائية لظاهرة تزايد أعداد المصريين القصر الذين يهاجرون بصورة غير شرعية إلى أوروبا، ولا سيما إيطاليا. ففي أثناء بحثهم عن فرص لتحسين أحوالهم وأسرهم الاقتصادية، غالباً يختارون الهجرة غير الشرعية، ويعرضون حياتهم وأرواحهم لمخاطر الرحلة، وما بعد الرحلة والمتثملة في إمكانية الاستغلال وسوء المعاملة في بلدان المقصد. ويقوم المشروع على مبدأ دعم فرص حصول الشباب على التعليم والتدريب في المناطق الريفية التي ترتفع فيها معدلات الهجرة في شكل يساهم في إكسابهم المهارات التي يحتاجونها للاستفادة من الفرص المتاحة في مصر وخارجها، ومن شأنه أن يقلص حالات الهجرة غير الشرعية. ولضمان توفير فرص تعليم وتدريب تتماشى ومتطلبات سوق العمل المحلية والدولية، عقدت الجهات المنفذة للمشروع شراكة مع المدرسة الفندقية السياحية «إيلينا كورنارو» في جيسولو (فينيسيا) وهي إحدى المدارس الفندقية المعروفة في إيطاليا وأوروبا. هذه المدرسة أشرفت على أعمال التجديد والتطوير في المدرسة الفنية المتقدمة للشؤون الفندقية والخدمات السياحية في الفيوم. المدرسة التي تتجه إليها أنظار شباب الفيوم هذه الأيام بكثير من الأمل، تحتوي على معامل تدريب وتعلم اللغات تستخدم أنظمة تدريب تتوافق وأطر المؤهلات الأوروبية، بالإضافة إلى برامج تدريب متخصصة لمدرسي المدرسة، وخدمات مدرسية لتوجيه الطلاب إلى سوق العمل جنباً الى جنب مع بناء نظام فعال لإدارة المدرسة. ويدرك الجانب الإيطالي أن خلق فرص للعمل، لا سيما للشباب الذين يسعون لدخول سوق العمل للمرة الأولى، يبقى من أهم الأولويات حتى بعد الثورة المصرية، مشدداً على أن فرص التدريب هذه متاحة للشباب والشابات على حد سواء. وتساهم إيطاليا كذلك في تأسيس فرع للتعليم التقني موجه للتوظيف في القطاع الميكانيكي، ومن المقرر تنفيذه أيضاً في محافظة الفيوم بكلفة عشرة ملايين دولار، بالإضافة إلى برنامج للتوجيه الوظيفي للشباب بكلفة مليون دولار، وتنفذه منظمة العمل الدولية بالتعاون مع وزارة القوى العاملة والهجرة في خمس محافظات ريادية بينها الفيوم. شباب الفيوم الذي يعاني منذ سنوات طويلة من البطالة والتهميش وتدني فرص التعليم والعمل والحياة الكريمة، ويعتلي عرش الهجرة غير الشرعية التي ادت الى هلاك كثيرين في عرض البحر، موعود بنافذة أمل جديدة قوامها برنامج تدريب، وفرصة عمل، وهجرة قد تكون شرعية أو ربما تتحول إلى فكرة ملغية بعد أن يشعر أنه صاحب حق وعمل وحياة كريمة في بلده.