لا تموت الأحلام. بل يموت الناس دونها. وإن كان البعض يصرّ على تحويل حلمه حقيقة. هذا ما حدث مع موقع «تونس نيوز» الإخباري الذي حاز أخيراً «جائزة مارتن لوثر كينغ» السويدية السنوية، للدور التوعوي المهم الذي لعبه خلال الثورة التونسية، وإسهامه في إعلام الشعب بكل ما كان ممنوعاً تداوله في الصحافة التونسية في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي. أسس الموقع، قبل أكثر من 11 سنة، مواطنان تونسيان يقيم أحدهما في السويد هو مهدي الغربي، فيما يرفض الثاني غير المقيم في السويد الكشف عن هويته. يقول الغربي أن فكرة الموقع جاءت في أواخر تسعينات القرن المنصرم، وكانت في البداية عبارة عن قائمة مراسلة اعتيادية (الإيميل العادي)، تبعث من خلالها بيانات وتصريحات المعارضة والمنظمات الحقوقية والجماهيرية التونسية، سواء العاملة في البلد أم خارجه، بالإضافة إلى ما ينشر في الصحف والمجلات الأجنبية، وخصوصاً الفرنسية حول سير الأوضاع في تونس. وكان العمل يتلخص في جمع ما يصل إليهما من أخبار وإرسالها في شكل جماعي إلى مئات الأسماء المسجلة لديهما. ويوضح الغربي أنه تمكن عام 2000 من رصد 11700 اسم تونسي أو من أصول تونسية من طريق الإنترنت. وكان يبعث إلى أصحابها ما يصله من أخبار وبيانات وتصريحات، بمعنى أن العمل الصحافي في شكله الحرفي الدقيق لم يكن موجوداً، بل تلخصت الفكرة التي أبدع مؤسسا الموقع في تنفيذها، بنجاح وذكاء، في نشر وتوزيع كل ما كانت السلطة الحاكمة السابقة تحظر نشره، وذلك ضمن رسائل إلكترونية موجهة جماهيرياً. ويقول الغربي المقيم في السويد منذ عام 1987: «عملياً لم نكتب شيئاً. ولم يكن لدينا مراسلون، بل كان الجميع يشاركون في تحديث المواضيع والأخبار المستجدة والمهمة». ودأبت الولاياتالمتحدة الأميركية على اعتبار يوم مارتن لوثر كينغ (1926 - 1968) الذي يعد الرمز الوطني الأميركي الليبرالي الحديث، عطلة رسمية، يحتفل بها في كل ثالث اثنين من كانون الثاني (يناير). ومنذ عام 2003، بدأت السويد الاحتفال بهذا اليوم أيضاً، بمبادرة من «حركة السلام المسيحية». وتمنح الجائزة سنوياً، للعاملين بروح كينغ، صاحب المقولة الشهيرة «I have a dream» (لدي حلم)، والذي عمل بتحد على تحقيق حلمه من أجل حقوق المواطنة وإنهاء التفرقة والتمييز العنصريين بين البشر ونبذ العنف والسلاح. إذ آمن كينغ الذي اتخذ من المهاتما غاندي قدوة له، بأن العنف لا يولد إلا العنف وأن السلاح لن يحل قضية. دور الإعلام ويؤكد الغربي، وهو مهندس جسور درس في موسكو ويعمل حالياً ضمن اختصاصه في مكتب دراسات في السويد، إيمانه بالإعلام ودوره في إسقاط الأنظمة الديكتاتورية وتعزيز الثورات الجماهيرية بالطرق السلمية وليس بالعنف والسلاح. ويشدد على ضرورة توجيه الخطاب الإعلامي نحو الشعب ومخاطبته بالإصلاح. وخلال الأعوام الأخيرة، ركز الغربي في عمله الإعلامي الرامي إلى التغيير وتحقيق الإصلاحات الجذرية على حقيقة أساسها أن «العنف لن يؤدي إلى نتيجة، وأنه لا مجال لمواجهة الأنظمة الديكتاتورية إلا بالتوجه إلى الشعب، فمنه يبدأ التغيير». وكانت خلفية الغربي السياسية سبباً في منعه من السفر إلى تونس منذ تسعينات القرن العشرين. لكنه يؤكد أن عمله في الموقع الإلكتروني طوال كل هذه الفترة، لم يكن إلا لكونه «تونسياً أولاً وقبل كل شيء»، مؤكداً أن «تونس نيوز»، منحته نظرة شمولية حول كل ما يدور في البلد، وجعلت انتماءه إلى تونس لا يجاريه انتماء. نشرة الفقراء والمساكين وعلى رغم أن الغربي لا علاقة له بالصحافة من الناحية الأكاديمية، بل إنه لم يمارسها حرفياً، فإنه يرى أن القاعدة الأولى والأخيرة في العمل الصحافي هي «الإيمان بالشعب واحترام عقله والابتعاد من محاولة التأثير، بقصد التلاعب به، لأن الشعب عموماً يتمتع بالذكاء». وكما أن لكل مرحلة أهدافها واستراتيجيتها الخاصة، يوضح الغربي كيف تغيرت استراتيجية الموقع الإلكتروني بعد سقوط نظام بن علي. وحتى تحقق ذلك، كان العمل منصباً على كشف النظام واستهتاره بأموال الشعب ومقدراته، فيما يركز الموقع الآن على «المواطن التونسي البسيط» ومنحه الحق في إمكان إيصال صوته. وينطلق القائمون على الموقع في عملهم من قناعة أن «لا للإقصاء ولا للتهميش، مهما كان الشخص». ووفق الغربي، فإن موقع «تونس نيوز» سيكون في حلته الجديدة «نشرة الفقراء والمساكين». تسليم الموقع ومنذ أوائل شباط (فبراير) الماضي، تحول موقع «تونس نيوز» من هيئته «المراسلتية» إلى الهيئة العامة لأي موقع إلكتروني عادي، إذ سلم الغربي زمام الأمور إلى شخصين في تونس، سيتوليان إدارته وتطويره، فيما سيتولى الغربي وزملاؤه مهمة الإشراف العام. وطوال السنوات ال 11 الماضية، تراوح مجموع من عمل في الموقع مع الغربي بين 2 و4 أشخاص. ويصف الغربي ساعات العمل الطويلة التي كان يقضيها في العمل على الموقع بعد عودته من عمله مهندس جسور، وكيف أثر ذلك في وضعه الأسري بسبب الجهود المتعبة لاستمرار الموقع، إذ كان الغربي يواصل عمله الإخباري بعد عمله، ما يتطلب منه السهر حتى وقت متأخر من الليل طوال سنوات متلاحقة. وهذا ما دفع القائمين على العمل، إلى التوقف وعدم الاستمرار عام 2008، لكن رسائل المناشدة حالت دون ذلك. وإلى قيمتها المعنوية، هناك قيمة مالية ل «جائزة مارتن لوثر كينغ» تقدر ب 25 ألف كرون سويدي سيتبرع بها الغربي لتطوير موقع «تونس نيوز» الذي تمكن من شق طريقه وتحقيق أهدافه بجهود التونسيين.