القائد العربي والخليفة الأموي في الأندلس «عبدالرحمن الناصر» الذي ولي الحكم وهو في ال21 من عمره، واستقبلت الأمة ولايته بالاستبشار والأمل في توحيد مملكة العرب في الأندلس، بعد أن تمزقت معظم أطرافها بالعصيان والتمرد، هذا الخليفة الذي قاد جيوشه لمحاربة الولايات الخارجة عليه، فأخضعها جميعاً مسترداً ما ضيعه أسلافه الضعفاء... من سار النصر في ركابه حتى وصفه ابن خلدون ب «حلف السعود»، الذي استغرق بناؤه 18 عاماً، ومن لقب ب «الناصر لدين الله» مستمتعاً بالقوة والمجد والنفوذ وحب الجماهير طوال 32 عاماً، هذا البطل المنتصر محبوب الأقدار مضرب المثل في جلائل الأعمال يموت في ال70 من عمره بعد حكم للبلاد دام 50 عاماً، فانظر ماذا كتب بخط يده في أخريات عمره وكما سجل عنه ابن خلدون! انظر إليه يخبرنا أن أيام السرور التي وصفت له في حياته هي يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا، ويوم كذا من شهر كذا من سنة كذا! فلما أحصى ابن خلدون أيام سرور الخليفة فإذا هي 14 يوماً..لا تزيد، وفي ذلك يقول ابن خلدون في تاريخه: «فأعجب أيها العاقل لهذه الدنيا وعدم صفائها لأوليائها، وبخلها بكمال الأحوال». كلمة أخيرة: تستطيع أن تغني للدنيا وتبتهج لها، وترى الأشياء من حولك واعدة وتستحق العيش من أجلها، وتستطيع أيضاً أن تكره الدنيا وتكتئب لها، وترى الأشياء من حولك محبطة ولا تحفزك للعيش من أجلها، والدنيا هي الدنيا نفسها في الحالتين، والإنسان هو الإنسان نفسه في حال التفاؤل والتشاؤم، اللهم إلا جهاز الاستقبال الذاتي لديه، والذي يتغير من شخص لآخر فيختلف معه مدى تأثر المرء بما يمر به من أحداث وتجاوبه معها، وهي حقيقة نفسية أدركها الحكماء قديماً، وعلماء النفس حديثاً، وفي تاريخ الفلسفة الإغريقية حكاية تروى عن فيلسوفين تتباين نظرتهما إلى سخافات البشر، فبينما يرى هيروقليطس أخطاء الناس في حقه وحق الآخرين تافهة ولا تستحق أن تضخم، بل التندر عليها وعلى سماجة أهلها، لا ينظر الثاني ويسمى ديموقريطس إلى المجريات سوى بعين مأساوية لا تعرف سوى الحزن على ما آل إليه حال الخلق محملاً الظروف ما تحتمله وأكثر، فماذا تقول الحكمة البوذية في ذلك؟ تقول: «إن لكل إنسان منّا شمسين: واحدة في السماء وواحدة في داخله، وعندما يظلم الكون لا يبقى للإنسان سوى شمسه هو»، وذلك يقين منه أن في الحياة كنوز لا تشترى ولا تعوض كما الصحة، والود الصادق، والصداقة المخلصة، وتذوق الجمال، وأنس الصحبة، وراحة الضمير...نعم! بيدك تجعل أيامك «المميزة» تزيد عن 14 يوماً...على كل، حلاوتها في ندرتها لذا ترانا نشتاق إليها ونكتشفها متأخراً. وقالوا: سألت سيدة حسناء برنارد شو عن الفرق بين المتفائل والمتشائم فأجابها: «المتشائم يحكم عليّ من خلال سحنتي، والمتفائل يحكم عليّ من خلال أدبي..المتشائم ينظر إلى كعب حذائك والمتفائل ينظر إلى وجهك الجذاب». [email protected]