لم تبادر المستشارة الألمانية أنغيلا مركل، مساء الأحد 6 أيار (مايو) لدى إعلان فوز فرنسوا هولاند على نيكولا ساركوزي، الى التذكير بكلمة واحدة بالعمل المشترك الذي أنجزته والرئيس السابق طوال الاعوام الخمسة المنصرمة، وكان ركن استراتيجيتها الأوروبية. وقالت المستشارة إنها دعت الرئيس الفرنسي الجديد الى برلين وتنتظر زيارته في أقرب فرصة «بذراعين مفتوحتين». ولا يتستر الاستقبال على تعقيد علاقات البلدين الناجم عن قيود داخلية من العسير تخطيها. المستشارة أيدت الرئيس السابق، وثبتت على تأييدها غير مبالية بسخرية بعض أقطاب حزبها. وردت على انتقاد الصحافة الألمانية تأييدها ساركوزي، وعلى اعتبار هذه الصحافة الخسارة الفرنسية خسارة شخصية لمركل، بأنها رحبت على الدوام بالتعاون مع الرئيس المقبل أياً يكن، قبل أن تردف: «نأمل خيراً». ويفسر أحد المقربين من المستشارة «الأمل» الذي أعربت عنه، فيقول إنه تنويه بسابقة غيرهارد شرودر، المستشار الألماني والاشتراكي – الديموقراطي الذي تولى رئاسة الحكومة قبلها، فهو بادر الى اصلاحات يعود اليها، شطر من استقامة الاقتصاد الألماني اليوم. وما تأمله المستشارة هو أن يقتفي الرئيس الفرنسي، الاشتراكي، أثر زميله الألماني، ويعالج المشكلات الاقتصادية لفرنسا مستلهماً المثال الاشتراكي – الديموقراطي الألماني. وترى أوساط المستشارة أن الرئيس الفرنسي الجديد مقبل على انتخابات برلمانية وشيكة. وعليه أن يفوز فيها بغالبية تمكّنه من الحكم وتنفيذ سياسته. ويقتضي ذلك منه إثبات نفسه في وجه المستشارة، وتعرب أوساط مركل عن برمها بتجديد فريق فرنسوا هولاند تعهده التفاوض على ميثاق الاستقرار المالي، وإضافة بند النمو إليه. وعمد الفريق الى تطمين الحكومة الألمانية، فأبلغها أن الأمر جزء من الحملة الانتخابية الرئاسية وبعض من ضروراتها. فيمثاق الاستقرار، على قول مركل، كان «موضوع مفاوضات اشتركت فيها 25 دولة أوروبية ووقعت كلها عليه، والتفاوض عليه مجدداً مستحيل. ولا يجوز التلويح به في اعقاب كل اقتراع، وإلا عجزت أوروبا عن التقدم خطوة واحدة». وتتوقع المستشارة أن يبرم البوندستاغ (البرلمان الاتحادي الالماني) المعاهدة في ختام الدورة البرلمانية، في حزيران (يونيو)، وترى أن المعاهدة مفتاح سياستها الأوروبية، والشرط الأول لانضباط السياسة المالية المشتركة. وبادرت اليونان ثم البرتغال الى توقيع المعاهدة، وتدعو ألمانيا النمسا وإيطاليا الى الاحتذاء بالبلدين السباقين، وتعوّل على دينامية متراكمة تنجم عن هذا الالتزام. وتتعهد ألمانيا التفاوض على «ميثاق نمو» جديد، شرط ألا يؤدي إلى تعظيم عجز المالية العامة. ويفترض توقيع ميثاق نمو منفصل وأن يوقّع هولاند المعاهدة الضريبية في صيغتها الحالية، على خلاف اصراره على تحميل السياسة الالمانية المسؤولية عن مشكلات أوروبا ومنطقة اليورو. وتوافق ألمانيا على بعض اقتراحات هولاند في السياسة المالية الأوروبية. فهي تقر بتقوية البنك الأوروبي للاستثمار، وبتوجيه فائض المساعدات البنيوية الى خطط البنى التحتية الكبيرة. ويميل حزب مركل الاجتماعي المسيحي الى إقرار رسم على العمليات المالية، على رغم تحفظ شركائه الليبيراليين. لكنها تعارض بشدة اصدار سحوبات يوروبُند يدعو اليها هولاند والاشتراكيون – الديموقراطيون الألمان. وعلى خلاف فتور علاقة مركل وساركوزي الشخصية، والفرق الشخصي العميق بين المسؤولين، يرى مراقبون شبهاً قوياً بين الرئيس الفرنسي الجديد، «العادي» كما يقول عن نفسه، وبين المستشارة التي لا تأنف من التبضع ايام الآحاد في «سوبرماركت» قريب قبل مباشرة الطبخ. والعلاقة الشخصية القوية، على مثال تلك التي ربطت بين ديغول وأديناور وجيسكار ديستان وشميدت وميتران وكول وشيراك وشرودر، واحد من أركان سياسة مشتركة متينة. والمحور الالماني – الفرنسي هو اساس الدينامية الاوروبية المرجوة. * مراسل الصحيفة في ألمانيا، عن «لوفيغارو» الفرنسية، 7/5/2012، إعداد منال نحاس