أمين الطائف يطلق مبادرة أحياء الطائف    الجنبية: أيقونة التراث الجنوبي ورمز الأصالة الجازانية    استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بنجران    انخفاض أسعار الذهب    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته لمراكز " قيا شقصان كلاخ والسديرة"    الأمير سعود بن نهار يطلق اعمال الورش التدريبية لمشروع معاذ بالهلال الأحمر    التحضيرات للسنة الدولية للتوعية بالكويكبات وحماية الأرض عام 2029م    «عكاظ» تنشر رحلة اكتشاف «المعادن» في السعودية    التهابات اللثة تعزز الإصابة بأمراض القلب والسكري والسرطان    وفد من الشورى يطلع على خدمات منطقة الحدود الشمالية    تحذير: الباراسيتامول يسبب مشكلات خطيرة للمسنين    3 سنوات.. طالبات مدرسة «القيم» بلا نقل    أمير الرياض يعزي في وفاة المباركي    الاتفاق يتربص بالأهلي.. والفيحاء والخلود «صراع الهبوط»    يايسله يبحث عن انتصاره ال 34 مع «الراقي»    «جون ويك 5» في السعودية    نيمار يرفض الرحيل عن الهلال    ساديو ماني على رادار إنتر ميلان    غزة.. هل انتهى كابوس الموت والتجويع ؟    القطاع الخاص والرؤية    هل يستمر نيمار ؟    "العُلا" و"الابتسام" إلى نهائي كرة الطائرة الشاطئية    حصة بنت سلمان: مدارس الرياض الحلم السابق لعصره    موضة البطانية !    إعادة إنتاج التفخيخ الديماغوجي    التويجري رفعت الشكر للقيادة لصدور الأمر الملكي.. تشكيل مجلس «هيئة حقوق الإنسان» في دورته الخامسة    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية في وفاة الشيخ عبدالله الصباح    البرازيلي «ريتشارليسون» يقترب من دوري روشن    سان جيرمان ينافس الهلال للتعاقد مع محمد صلاح    تجربتي مع القطار.. أكثر من مجرد وسيلة نقل    مفوض «الأونروا» يشيد بجهود المملكة في إنهاء صراع غزة    نواف سلاّم القاضي النزيه رئيسا لوزراء لبنان    أمير الشرقية يرعى اللقاء السنوي للجهات الأهلية    تتسبب في سجن رجل بريء لأن ملامحه أزعجتها    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإغاثية للشعب السوري    جمعية أصدقاء ذوي الإعاقة تنظّم بطولة رياضية    ميزة من واتساب لمشاركة الموسيقى في الحالة    السجل العقاري يبدأ تسجيل 28 حيًا بمنطقة مكة المكرمة    "إسناد" تعزز الشفافية المالية في قطاع التعدين    نورة الفيصل ل«عكاظ»: «فنون التراث» تبرز الهوية السعودية برؤية عصرية    نصائح للكاتب الهازئ في إرباك القارئ    الصداقة بين القيمة والسموم، متى يكون التخلص من الأصدقاء ضرورة وليست أنانية؟    قصة «جريش العقيلي» (1)    الجار    لمسة وفاء.. المهندس غانم الجذعان    أمير الرياض يستقبل السفير العماني.. ويعزي المباركي    التدخين والمعسل وارتباطهما بالوعي والأخلاق    شرب ماء أكثر لا يعني صحة أفضل    النجدي مديرًا لمستشفى الملك فهد في جازان    سكينة آل غالب إلى رحمة الله    «مسام» ينتزع 732 لغماً في اليمن خلال أسبوع    محمد سعيد حارب.. صانع أشهر مسلسل كرتوني خليجي    أمير الرياض يعزي في وفاة المباركي    احذروا ثم احذروا منهم    رمزية الأعداد الفردية والتوحيد    الحب لا يشيخ    السديس: لحظة تاريخية استثنائية.. إطلاق أكبر هيكلة تنظيمية برئاسة الشؤون الدينية في الحرمين    أكدت على الحقوق الفلسطينية وأشادت بجهود الوسطاء.. المملكة ترحب باتفاق وقف النار في قطاع غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«داعش» والقوميون العرب
نشر في الحياة يوم 07 - 08 - 2014

في حديث مع صديق «داعشي الهوى»، استرسلت في الكلام عن الجماعات المسلحة المتأسلمة عبر التاريخ ودورها في نكبات الأمة، حتى وصلت إلى دور «القاعدة» ومعها بن لادن في ما نشهد اليوم من دمار وخراب في دول العالم الإسلامي، وكيف أنها لم تخدم في حقيقة الأمر سوى من تسميهم في أبجدياتها الأعداء، بلا أدنى طائل يمكن تصنيفه في المكاسب للإسلام أو للمسلمين، فقاطعني الصديق مذكراً بأساس الدولة العباسية التي كانت نشأتها عبر حركات سرية جذبت إليها الإهتمام حتى سادت عقب الدولة الأموية. كلام الصديق أعادني إلى عبارة من كتاب «مقاتل من الصحراء» للأمير خالد بن سلطان، حين كان يروي قصة الطائرة السعودية التي كانت تحمل أسلحة لدعم ملوك اليمن ضد الثوريين المدعومين من جمال عبدالناصر، وكيف حولت مسارها إلى القاهرة، وطلب قادتها اللجوء السياسي إلى مصر كاشفين عمّا في حمولتها ومعللين خيانتهم لبلدهم السعودية بأن: «واجبهم القومي لا يسمح لهم بأداء ما كلفوا به»!
في السابق عانى السعوديون كثيراً جراء طموحات القوميين العروبيين وأحلامهم التوسعية، إبتداء من جمال عبدالناصر وليس انتهاء بالأحزاب القومية التي ملأت بضجيج حناجرها فضاءات الكلام فقط، وأهملت في سبيل أهدافها البراقة كل معاني التنمية والتقدم حين ضيقت بديكتاتورياتها كل الفضاءات، فتاريخ هؤلاء الحافل بأنواع الهزائم والنكسات والنكبات على الأمة حكم عليهم في نهاية المطاف بالإندثار، بعد أن تعالت صيحات أخرى تحريضية سحبت البساط من تحتهم بإسم الدين هذه المرة، ليبقى العداء لكل من لا يتفق معهم الجامع الوحيد في ما بينهم باعتباره عقبة تجب إزالتها من أجل الوصول، لذلك فإن الإنشغال في الإستهداف المباشر للسعودية سواء من الأحزاب القومية أم من الجماعات والأحزاب المتأسلمة، ينبغي ألا يغيب عنا السبب في ذلك، والذي هو بالتأكيد ليس عمق مكانها في نفوس المسلمين أو غناها النفطي، وإنما علم أولئك المؤكد بأن لديهم فيها كثير من المتعاطفين، الذين سيشكلون «بحسب مخططاتهم» أرضية صلبة تتلقف أفكارهم وتُنازع في سبيلها، ثم تكون في النهاية الحاضن لهم والمنطلق نحو تحقيق طموحاتهم التي يغذيها عبر التاريخ المتربصون بأمن السعودية واستقرارها.
اليمن والعراق بؤرتا نزاعات لا تنتهي، شكلت منهما مناطق رخوة أمنياً تمثل بالنسبة للسعوديين تهديداً ليس من السهل تجاهله، وإن كان العراق باستثناء إحتلال الكويت وما تبعه من تداعيات أقل تهديداً في الواقع من اليمن، التي ظلت منذ سقوط الملكية ثغرة أمنية مؤرقة استخدم عبدالناصر قسماً من مواطنيها لضرب استقرار السعودية، كما حصل عام 1966 حين قامت مجموعة من اليمنيين الموالين له بتفجير قنبلة في فندق «زهرة الشرق» وأخرى في وزارة التجارة معلنة عن أول عمل إرهابي يحصل في العاصمة الرياض، بعد أن كان استخدم أراضيها لتقلع منها الطائرات وتضرب في أبها وجازان ونجران سنة 1962، وتصل إلى شمال مدينة جدة حيث تم إنزال كميات من الأسلحة كشفت عنها السلطات في حينه. ولا تزال اليمن أرضا خصبة للإرهابيين الذي يستغلون غياب السيطرة الحكومية على كامل أراضي الدولة، حتى أضحت الملاذ الآمن للجماعات المسلحة ونقطة الإنطلاق نحو السعودية للقيام بعمليات كان آخرها أحداث شرورة.
التحديات الأمنية قائمة لبلد مثل السعودية بحكم موقعها الجغرافي وسط منطقة ساخنة في الأحداث وهذا أمر ثابت، لكن المتغير هو الحالة الثقافية، فالناصريون السعوديون غيروا مواقفهم بعد هجومه عليها، وكذلك المتعاطفون مع القاعدة.
الغريب هو حالة التعاطف الحاصلة اليوم مع جماعة ك «داعش» التي لا تخطئ عيون المتتبعين لمسيرتها خروجها عن جادة الصواب وانحرافاتها الفكرية. وإن كانت السعودية عالجت في ستينات القرن الماضي عمليات القوميين بالحزم وعدم التساهل بنفس القدر من الشدة مع منتسبي الفكر القاعدي خلال السنوات العشر الماضية، فإنها مطالبة اليوم إضافة إلى ذلك بأن لا تغفل الجانب الآخر من مسببات التعاطف والإندماج عند البعض مع الفكر الأسود الذي يقدمه الدواعش على طبق من الدم، والذي يتقدمه بلا شك الخطاب الديني المتشدد الذي يتولاه عدد ليس بالهين من الدعاة على أبواب «الدمار»، فهؤلاء اعتنوا بإبراز ما يوافق أهواءهم تاريخياً وما يخدم أجنداتهم التطلعية، وإن كان الطريق إلى ذلك مفروشاً بالجماجم، متجاهلين في شكل فظ الفارق الشاسع بين مرحلتين مهمتين من مراحل العمل السياسي المنضبط في الإسلام، هما المرحلة المكية والمرحلة المدنية، فيما نحتاج في ظل الظروف العالمية التي شكلت القوى الدولية إلى إعادة قراءة الأولى منهما بكل تفاصيلها، وهو ما لن يتأتى إلا من خلال فتح الباب أمام الحوار الجاد الذي ينخل المخزون «المتحجر» في عقول هؤلاء السعوديين، جراء سنوات من التلقين الممنهج الذي يرى في الحاضر وقتاً مهيئاً للحصاد لا يقبل التأخير! مع عدم غض الطرف عن شكل المنحنى الإقتصادي الذي يتدرج سريعاً نحو الأسفل مستنزفاً جيوب السعوديين وطاقاتهم النفسية، فالإصلاحات الإقتصادية «الملموسة» ينبغي لها اليوم أن تسبق الإصلاحات المشهودة تنموياً، ولن أتحدث عن زيادة الرواتب التي قد تكلف البلد من ناحية التضخم أكثر من أن تفيدها، لكن الحلول الإستراتيجية السريعة لمعضلة كغلاء أسعار الأراضي أو قيام الحكومة بدعم السلع الغذائية، وكذلك فتح باب التأمين الصحي على المواطنين السعوديين، كفيلة بتحقيق الأمن النفسي وتحقيق معادلة المواطنة التكافلية التي لا تقبل المساومة. كل هذا بانتظار الطفرة التعليمية الموعودة التي لن نطالب بثمرات حصادها قبل جيل من الآن، يحمل الراية «الجديدة» والمتناسقة من جيل سبقه نخرت ما تسمّى بالصحوة الإسلامية عقله حتى بات يئن من وطأة تناقضاتها ولا يلوي على شيء.
بقي أن نقول إن «داعش» التي تحارب في «عيون الكثيرين» بطش بشار الأسد واضطهاد نوري المالكي لسنّة العراق، وتطبق في الأماكن التي تستحوذ عليها الحدود الشرعية كما يفهمها عوام الناس، كانت من الغباء الإستراتيجي بمكان - والفضل في ذلك لله - حين جعلت التوحش بإسم الدين مفهوماً تخاطب الآخرين من خلاله، لتؤكد للسعوديين في رسالة مهمة: أن انتبهوا من «هوامير» الظلام بينكم، فإننا لن نتمدد إلا بمساعدتهم وعونهم.
* كاتب سعودي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.