حينما انقلب السحر «داعش» على الساحر «القاعدة» تغيرت لغة الجهاديين والمشيخة المتاجرين بأعمار وأرواح الجيل وعامة المتعاطفين معهم من الدعاة التعبويين وعشاق المغامرات الدموية، تتم أخيراً شيطنة «داعش» من رافديه ومؤيديه من الإسلاميين بأطيافهم، ليس لأنه تغول بأشد مما كان عليه، وليس لأنه انحرف واستباح الموبقات وعلى رأسها «الخوض في الدماء»، وليس لأنه شوه جناب الدين الأزهر، وليس لأنه كان وشقيقاته من الفصائل القاعدية والخارجية ومشيمتها «القاعدة»، شؤماً وبواراً على كل أرض يحلون بها وشركاء في تهديمها، «ولنا في أفغانستان والصومال والبوسنة والعراق وأخيراً اليمن وليبيا وغيرها عبر تحكي لنا ويلات وشؤم تلك المنظومات». إن «داعش» هو «داعش» ذاته، وهو ربيب «القاعدة» ذاته، هو بعض «القاعدة» ذاته، والمشتمل على ذهنية وعقيدة «القاعدة»، القصة باختصار أن «داعش» وجه وحشيته ودمويته ضد أخواته من الجماعات المتطرفة وليس غير ذلك. التعبويون من «المتمشيخة» والدعاة التعبويين «رُسُل الفناء»، لم يكونوا لينقلبوا على وحش «داعش» لو أن مغامراته وجهت للأرواح البريئة والتجمعات المحايدة، «والتاريخ شهيد على فظاعات وجرائم ارتكبه «القاعدة» والمنظمات التكفيرية بأشد مما مارسه «داعش» ضد الفصائل الجهادية شريكاته في ساحة سورية»، لقد قاموا بالانقلاب عليه، لأنه مارد خرج من مشيمتهم، وازور عنها فكرياً، لينكفئ بعدها، ويتجشم الغدر بالفصائل التي خرجت معه من ذات المشيمة القاعدية. أين الدعاة التعبويون حينما كانت القاعدة وربيباتها تسفك الدماء البريئة المعصومة في شتى الأنحاء؟ لِمَ لمْ يكونوا حينها يواجهون إجرامها في هذا الشكل من الشجي الذي نشهده منهم تجاه هذا الفصيل الذي مارس العقوق ضد فكرهم ونحورهم، ليتعاطوا بدلاً من ذلك الصمت الرمادي؟ ما الجديد الذي مارسه أحد أذرعة القاعدة «داعش» سوى أنه وجه نيرانه العدائية لصديق عقائدي، ومارس ما كان يمارسه هو وحاضنه «القاعدة» مع عموم المسلمين، فضلاً عن المستأمنين من غير المسلمين من تكفير وتفجير وسفك للدماء المعصومة وتدمير للمقدرات وقهقرة للبنية الوطنية والسلم الأهلي كما استنبات العدائية مع الآخر، لمه يتباكى الدعاة على نكوص «داعش» عن الخط وانقلابه على مكونه، كما لو أنه كان على الصراط هو وأخواته، ولا يتباكون على أرواح أزهقوها في الماضي والحاضر، «وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ*الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ*وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ». إنّ ما دعاني ناحية الكتابة عن حكاية «داعش»، مع ترددي لحال انجلاء الغموض واستكمال صورة هذا الاحتراب وأسراره، سببان: الأول: تغير «لغونة» الدعاة التعبويين التي تواضعت على التراخي وتوارثت التأول التبريري عند وقوع أية جريمة يرتكبها أيّ من الأنظمة المتطرفة، ولعل مأساة «مستشفى العرضي الذي يقع داخل مجمع وزارة الدفاع اليمنية»، وذلك في 5 كانون الأول (ديسمبر) 2013 تزامنت أو سبقت انقلاب وانحراف «داعش» عن مسار «القاعدة»، كشف تناقض الدعاة التعبويين الذين برروا جريمة مستشفى العرضي في اليمن التي راح ضحيتها أبرياء، ومع أنها وثقت بالكاميرات الأمنية، ومع أن المتحدث باسم «القاعدة» في اليمن اعترف واعتذر، إلا أن هؤلاء الدعاة التزموا الصمت، والكثير منهم برر الجريمة، لكنهم في حال «داعش» انقضوا عليه، لأنه أدار وحشيته عليهم وذاقوا ويلاته، وكشف خبيئتهم. الثاني: من دواعي كتابتي عن «داعش» حتمية الخلوص من هذا الفكر الذي انكشفت أجندته، وتفشى خطره على الأفراد والمجتمعات، إذ بات هذا الفكر يختطف الأفراد من خلال استقطابه لشبابنا، وهيمنته على عقولهم وأرواحهم، كما يختطف المجتمعات من خلال تدميره لأي وطن ينخرط فيه ويتجند لأجله. والماضي والحاضر يشهدان أن هذا الفكر شؤم على أية دولة تدخل فيها من أفغانستان ابتداءً حتى سورية انتهاءً. «الحصاد»، «داعش» لم يفعل من الموبقات ما يتجاوز ما فعله «القاعدة»، حتى يمارسوا شيطنته، وليست تلك مشكلة الدعاة الراديكاليين الذين كانوا يقومون عادة بدور «الشيطان الأخرس» عند أية جريمة إرهابية ضد الأبرياء! بل كانت مشكلتهم أنها أحرجتهم، «داعش» قطع قول كل خطيب وداعية تحريضي يموّه على العقول. * كاتب سعودي. [email protected] abdlahneghemshy@