ملاحظات كثيرة يمكن الحديث عنها في سياق تناول حال الدراما السورية هذه الأيام، وكلها تستحق التوقف عندها والبحث عن حلول لها من أجل تجاوزها والارتقاء بهذا الفن البصري إلى مستويات أرقى. من المفيد أن تنتبه نقاشات هذه الدراما إلى حقيقة التحوّل الكبير الذي عاشته في العقد الفائت، وبالتحديد ملاحظة أنها قفزت من مرحلة الإنتاج المحدود بمواصفاته النخبوية إلى مرحلة الإنتاج الغزير أو بالأدق التحوّل إلى صناعة متكاملة يعمل فيها عدد أكبر يتزايد يوماً بعد يوم، بما يعني صعوبة المحافظة على تلك المواصفات النخبوية، بل ويسر انتقال أمراض «البضاعة الرّائجة»، وعلى الأخص العجلة والركض وراء نتائج دورة رأس المال السريعة وأمراضها. حين نقول صناعة درامية، فذلك يعني بالضرورة الحاجة المتزايدة الى نصوص وكفاءات إخراجية وفنية باتت تفترض توسيع رقعة الفعل الفني والفكري والخروج بها من المساحة الضيّقة للإنتاج النخبوي. هنا تحضر إلى الذهن إحدى صفات الدراما السورية التي لا تزال لصيقة بإنتاجها عموماً ونعني ندرة النصوص الناجحة، والتي تتوافر فيها الفنيّات العالية والموضوعات الجديّة ذات العلاقة الوشيجة باهتمامات المشاهدين. هي معادلة بالغة الدّقة، وتفترض انفتاحاً أوسع على الأجيال الجديدة من الكتّاب، مثلما تفترض أيضاً السعي بجديّة إلى تأسيس معاهد لتعليم تقنيات الكتابة التلفزيونية ووسائلها، ذلك أن التحوّل إلى صناعة يعني قبل أي شيء آخر إدراك أن الصناعة لها شروطها التي لا تقوم من دونها. ثمة حاجة لاستثمار نجاحات الدراما السورية الكبرى والخروج من النمط «الفولكلوري» لبعض أشهر نتاجاتها في السنوات الأخيرة، والإقلاع عن توظيف نجاحات تلك الفولكلورية الطارئة والشعبوية، والعودة الى رؤية العالم والحياة من حدقتين مفتوحتين على الراهن بلا أوهام، أو حتى بلا نوستالوجيا تقدّس الماضي وتتفنّن في تجميل عوراته والدفاع عن نقاطه المظلمة. ظل لنا في هذه العجالة أن نقول إن الدراما السورية لا تزال تقبض على جمرة النجاح، وهي على رغم هنات كثيرة نراها طبيعية، لا تزال تمتلك جماليات عالية تحققت على أيدي مجموعة ممتازة من المخرجين الذين يحسنون قراءة الواقع وتقديمه وإن كانت بحاجة فعلاً الى التناغم مع اشتراطات الصناعة وضروراتها.