إلى أين سيتوجه القطار؟ إلى متى سيظل مسرعاً وهو يمر بمحطاتنا؟ هل هو قطار الليل المتجه إلى الإسكندرية؟ أم هو الترام الكلاسيكي البطيء الذي يمرق يومياً في الموعد نفسه؟ هو القطار الأوروبي السريع الذي يفر من أمامنا، فيما نحن واقفون، نكتفي بالدهشة، ليعبر ماراً بعشرات المدن؟ كان العابرون سائرين نياماً. صبية منكفئون يلعبون القمار تحت ضوء اللمبات الخافتة الإضاءة. أقصى يسار الممر الموازي لثكنات الترجمان. بانت وجوه وحشية للصِبية الذين فرغوا للتو من تجرع زجاجات البيرة الرخيصة وأخنوا يتشممون (الكُلَّة) في علب من صفيح صدئ. حدقات تدور في عيون نهمة ودموية تبرق بحدة ليطفو الشرر فترتجف قدم السائر في الممر المعتم. ظهرت النصال الحادة تبرق وتضوي بجانب جدران الأنفاق الملطخة بالشحم. صرخت. أصرخ لن يسمعك أحد يا غريب؟! أحاطوني، ثم اعتلاني أشرسهم بتراكم خمسة عشر عاماً من الضياع والاغتراب ومتاهة الدوران في العاصمة النيلية. طفت الخريطة الجهنمية على وجه الصبي الشرس الحليق الشعر. يهوي بزجاجته البنية فوق رأسي. انتصبوا في مواجهتي كصبَّارات عتيقة بارز شوكُه. حليقو الرؤوس بناطيلهم ممزقة والقمصان منزوعة الأكمام. طالت المدية عنقي وبنصل حاد دفع من الخلف بمهارة فائقة. سالت الدماء فوق القميص الصوف. ضحكوا بهيستيرية مفرطة فطاشت الصفعات والركلات تُصدر أصواتاً فزعة وكئيبة. أعقاب السجائر تتدلى من الأفواه القذرة الخالية من الأسنان. الصفعات تتهاوى على القفا الفرعوني المعروق. سال الدم غزيراً بجانب ركية النار. وصل إلى سمعي حفيف الشفاة التي تتخاطب. حديث هامس من الأكبر سناً وهو الأقصر قامة. حاجبان من الشحم اللزج وفم معتم. سِنّة واحدة نخرها السوس تبرز من فيه الطافح بلثة تعتليها النتوءات والجروح الغائرة والندب. ليلتك عسل يا بطل؟!