شدد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند (الأشتراكي) على البساطة والأعتدال وعزة النفس في أول خطاب القاه بعد تسلمه مهمات منصبه خلال حفل رسمي طغى على ادق تفاصيله الحرص على التمايز عن اسلوب سلفه اليميني نيكولا ساركوزي. وأوحى هولاند الذي افتتح بخطابه هذا عهده الذي يستمر خمس سنوات ويجعله ثاني رئيس اشتراكي يحكم فرنسا بعد الرئيس الراحل فرانسوا ميتران، ان الحملة التي خاضها ضد سلفه لم تتوقف بعد على رغم فوزه بالرئاسة. وجاء كلام هولاند مليئاً بالأنتقادات الضمنية لساركوزي، مؤكداً ان دوره كرئيس يستدعي منه ان يحدد الأولويات «دون اتخاذ كل القرارات في كل المجالات». وشدد هولاند على رد الاعتبار للمؤسسات التي اتهم سلفه بتهميشها وقال ان «الحكومة ستحدد وتقود سياسة الأمة في ظل احترام حقوق البرلمان وضمان استقلال القضاء». وأيضاً بخلاف سلفه، لفت الى ان «التمايز والتعدد ينبغي الا يتحولا الى تباين»، مؤكداً الحاجة الى «التهدئة والمصالحة لتأمين حشد مشترك لكل الفرنسيين بلا تمييز حول قيم الجمهورية». وأشاد الرئيس الجديد بمكانة القطاع العام، كما اكد اهمية دور النقابات التي كانت هدفاً لساركوزي خلال حملته الأنتخابية. وشدد على «العدل» في مراكمة الثروة وعلى «توزيع الجهد المشترك بدلاً من ان تكون الامتيازات للبعض والتضحيات دائماً لآخرين» وإن «العدل هو المعيار الوحيد الذي سيحكم كل قرار يتخذ». وأبدى هولاند «إدراكه لوزن الصعوبات التي نواجهها» من دين وبطالة وغيرهما من المشكلات، متوقفاً امام الأزمة التي تواجهها اوروبا، مكرراً عزمه على اقتراح معاهدة اوروبية جديدة «لتحفيز الأقتصاد ومكافحة العجز» المالي، ممهداً بذلك للقاء الذي عقده لاحقاً في المانيا مع المستشارة انغيلا مركل. وحيا هولاند كل أسلافه بدءاً بالرئيس الراحل الجنرال شارل ديغول وعدد مزاياهم وتوقف عند أدائهم على رأس الدولة لكنه اكتفى بتمني «حظ سعيد» لساركوزي «في حياته الجديدة». عين على الانتخابات البرلمانية والمرجح ان يكون استهداف هولاند لساركوزي في خطابه على صلة بحملة بالانتخابات الأشتراعية التي تجري في فرنسا في 10 و 17 حزيران (يونيو) المقبل ويدعو اليمين في اطارها الى حرمان اليسار من غالبية برلمانية عبرها. وبعد الخطاب، جال هولاند في قاعة الاحتفالات في قصر الإليزيه مصافحاً الحضور الذي اقتصر على الرسميين وكبار المسؤولين في الحزب الأشتراكي ولم يحضره اي من افراد عائلته باستثناء صديقته فاليري ترييرفيلير، ثم استقل اول موكب رئاسي اجتاز به جادة الشانزيليزيه الى قوس النصر حيث وضع باقة من الزهر على ضريح الجندي المجهول. ولم يحل الطقس الممطر دون احتشاد المواطنين على رصيفي الجادة للترحيب بالرئيس الجديد الذي اصر على مدى حملته الانتخابية على انه سيكون في حال فوزه «رئيساً عادياً» وهو شعار موجع لساركوزي الذي غالباً ما وصف ب «سوبر رئيس» وأيضاً ب «الأمبراطور» نتيجة رغبته في الأمساك بزمام الأمور كافة والإصرار على الحضور على كل الصعد. الابتعاد عن مظاهر الفخامة ومن منطلق الحرص على صفة «العادية»، اشار هولاند الى انه لن يقيم في القصر الرئاسي بل في منزله الخاص الواقع في الدائرة الباريسية ال15 والأبتعاد قدر الإمكان عن مظاهر الفخامة مع مراعات مقتضيات البروتوكول. ومن المحتمل ان تحول الاعتبارات الأمنية المتصلة بموقعه الرئاسي دون تقيده برغبته، لكنه ابدى التزامه بها على الأقل من خلال الموكب الذي نقله من منزله الى القصر الرئاسي قبيل حفل التسلم والتسليم. وأقتصر هذا الموكب على سيارتين فقط بما فيهما سيارته وعلى عدد محدود من الدراجات النارية. وقطع المسافة المؤدية الى قصر الإليزيه متوقفاً عند الإشارات الضوئية مفسحاً في المجال امام المارة لعبور الشارع. وكان بضع مئات من الأشخاص احتشدوا قبالة القصر الرئاسي، البعض بدافع وداع ساركوزي اذ رددوا هتافات تقول: «شكراً ساركوزي» والبعض الآخر بدافع الترحيب بانتقال فرنسا الى عهدة الأشتراكيين. ولدى وصوله الى باحة القصر الرئاسي ترجل هولاند وتوجه الى مدخل القصر حيث كان ساركوزي بأنتظاره فتصافحا على مرأى من عدسات مئات المصورين الصحافيين. وعقد هولاند وساركوزي الاجتماع التقليدي الذي ينص عليه البروتوكول في هذه المناسبة ولا تتجاوز مدته اكثر من 45 دقيقة ثم خرج برفقة زوجته كارلا بروني من القصر وصافح مجدداً هولاند فيما قبلت بروني ترييرفيلير وغادرت الإليزيه برفقة زوجها الى منزلهما في الدائرة الباريسية ال16. وأعقبت زيارة هولاند الى ضريح الجندي المجهول زيارة الى نصب جول فيري في حديقة تويلري وزيارة الى معهد كوري تقديراً للباحثة الشهيرة ماري كوري وحفلة اقامها على شرفه رئيس بلدية باريس برتران دولانوييه ثم توجه الى برلين للاجتماع مع مركل. والمرجح ان يعلن هولاند اليوم عن حكومته الجديدة التي ستسانده في معالجة الملفات المعقدة المطروحة امامه على المستويين الداخلي والأوروبي.