أول صباح جامعي، كل شيء يبدو مختلفاً الوقت والرداء طقوس التأهب على عجلة للتمكن من الالتحاق بالطابورِ المدرسي، كما لو أن الصباحات تنمو وتتبدل. حين هممت بالولوج لتحتضنني أسوار الجامعة كنت أسير بمفارقها الطويلة بخُطى متثاقلة، جُل اهتمامي هو الخوف من عبء المسؤولية ومحاولة محو الحنين لرنين الجرس، وأحاديث صديقات الصبا والطفولة. كانت الحسنة الوحيدة التي أزالت عن معصمِ شعوري حبال التوتر هو وجود أختي التي تكبرني سناً أو كما أسميها الآن «مرشدي الجامعي» أخذنا نجوب الأمكنة مع شرح تعريفي مطول لكل منها. عيني حينها لم تك تفارق ساعتي، «حماسة» غير اعتيادية لطالبة جامعية لدخول المحاضرة الأولى، وفيها واجهت أنا وفرقتي العقبة الأولى أيضاً بما أننا من مرتادي تخصص اللغة الإنكليزية فمعظم أعضاء التدريس من جنسيات أجنبية مختلفة، واللغة الوحيدة للتمكن من التواصل هي الإنكليزية، كنا نملك مفردات بسيطة لا تسعف غالبية الأحيان لذلك تم اختراع لغة جديدة بالتعاون مع جميع الطالبات نستعملها في الأوقات الاضطرارية مدموجة باللغة الإنكليزية المعربة أو العربية بنكهة أجنبية وكثير من لغة الجسد بحركاتها المختلفة، نبتهج حين تظهر مؤشرات الاستيعاب على ملامح الأستاذات ونستمر في المحاولات حين تقفز علامة استفهام كبيرة فوق رؤوسهن حول ماهية ما نتحدث به، إلى أن أصبح الموضوع في تحسن وبدأنا في التخلي قليلاً عن هذه اللغة الوليدة، في البداية زُرع في داخلي مساحة يأس صغيرة مُزجت بالخوفِ من الاستمرار على بعض الأنظمة الجامعية التي تحمل مبالغات في صعوبتها إلا أني عزمتُ على حرثها كيلا تكبر وتُحدث لي عواقب أكثر، مؤمنة حينها أن البداية في كثير من الأوقات قد تكون شاقة ومتعبة إلى أن تنسدل ستائر الاعتياد وتشرقُ بها القدرة على التمكن. هنا أنا في كل يوم جامعي يحمل في طياته كثيراً من الأشياء التي تُقفز في فكري كثير من الأفكار لتدون.