العالمون بشؤون الإعلام الاذاعي والتلفزيوني تحديداً، يعرفون ان شبكة البرامج تتضمن مواعيد «مرجعية»، تُضبط الشبكة حولها، وتفرض نفسها، الى حد ما، على الجمهور. هذه حال نشرة الأخبار مثلاً: يقال لنا، نقول لأنفسنا أو نسمع: «بعد الأخبار، قبل الأخبار، اثناء الأخبار...». هناك برامج غير الأخبار تتخذ هذه الصفة مع الوقت. «كلام الناس» على قناة «ال بي سي» لمرسال غانم واحد منها بالتأكيد في لبنان. بالتراكم، صارت سهرة الخميس التلفزيونية مرتبطة به: يقال لنا، نقول لأنفسنا أو نسمع: «ما الموضوع مع مرسال الليلة؟...». ظهرت برامج حوارية اخرى في لبنان. وبصرف النظر عما اذا فرضت نفسها موعداً مفصلياً او لا، لم تنافس «كلام الناس»؛ لأنها بكل بساطة، لم تُبرمج في الوقت ذاته. وبقي الأمر كذلك الى أن ظهر برنامج «حديث البلد» لمنى ابو حمزة على قناة «ام تي في». لا نملك ارقام المشاهدة والاستماع – ومن يملكها فعلاً في العالم العربي؟ - بمعنى اننا لا نعرف أي البرنامجين يحقق نسبة مشاهدة أعلى. لكن يمكننا القول، من خلفية علمية، ان «حديث البلد» مؤهل اقله لمنافسة «كلام الناس» – ويلاحظ التشابه بين الإسمين - لكثرة من الأسباب، لعل أهمها تنوع الأول مقارنة مع الثاني. برنامج غانم يستقبل، في الإجمال، ضيفاً الى ثلاثة في الحلقة، مقابل 8 الى 10 ضيوف لبرنامج ابو حمزة. وضيوف غانم، عموماً، نعرف مسبقاً ما سيقولون: ماذا ستقول شخصية من 8 آذار؟ أو أخرى من 14؟ لو كان لديها جديد تقوله، لن يتطلب أكثر من 10 دقائق، بينما البرنامج يستمر قرابة ساعتين. بالمقارنة، اطول مقابلة مع ابو حمزة تدوم نحو 7 دقائق، والشخصيات بينها السياسي، الفني، الثقافي، الصحافي، العربي، الأجنبي، الخارج عن المألوف... علمياً اذاً، لنقل ان «حديث البلد» مؤهل بصورة كامنة لمنافسة «كلام الناس» جدياً، لئلا نجزم بأنه غلبه... أقله في بعض الليالي. لكن بيت القصيد ليس هنا؛ ذلك ان البرنامجين يتقاسمان صفة مشتركة تجعل امكان منافستهما معاً، بل التفوق عليهما، ممكناً. وهذه الصفة، التي تتناقض مع قاعدة علمية - ذهبية في العمل ذي الطابع الصحافي، يجسدها ذلك الاستخدام الطاغي لل «أنا» لدى المقدميْن. في كل مفصل من مفاصل برنامجه، يقول غانم: أنا... «اريد ان ادخل الى محور كذا»؛ «قبل ان ادخل الى البريك، اريد منك يا فلان ان تفعل كذا...». ويطلق احيانا تعليقاً من هنا او موقفاً من هناك يجسد حضور الأنا عبر اظهار شيء من «التناغم» (complicité) بينه وبين ضيفه. أما زميلته ابو حمزة، فتزيد على ال «أنا» بالجملة، رأيها في هذا الأمر او ذاك، اين كانت في اليوم الفلاني وكيف تصرفت، وأحياناً ماذا فعل ابنها او عمّتها او لا ندري من ايضاً... وفي كل مرة «يرتكب» فيها «الصحافيان» فعلاً منافياً للصحافة على غرار ما سبق، نكاد نسمع مشاهدين كثراً يقولون ما يشبه العبارة الفرنسية: «on s'en fout de ce que vous pensez» (ما همنا بما تفكرون).