«يستحق هذه الخسارة» و «تمنيت له الا يكسب صوتاً واحداً في الانتخابات»، و «خسر بدعاوى المظلومين في فرنسا بسبب سياساته العنصرية تجاه المسلمين»، كلها تعابير ترددت في الشارع الجزائري بشكل واسع بعد اعلان نتائج الانتخابات الفرنسية التي منحت الفوز لفرانسوا هولاند على حساب غريمه نيكولا ساركوزي. الشارع الجزائري تابع باهتمام كبير الانتخابات الفرنسية، وبتفاصيلها، بخاصة في الايام الاخيرة من الحملة الانتخابية على رغم أن الجزائريين كانوا يعيشون أيضاً حماسة الحملة الإنتخابية التشريعية في بلادهم، لكن ذلك لم يمنعهم من متابعة الرئاسيات الفرنسية وبطريقة غير عادية مقارنة بالانتخابات السابقة. وقد يكون السبب إن الجالية الجزائرية هي الأولى عدداً من بين الجاليات المسلمة في فرنسا، فلا عائلة جزائرية إلا ولديها فرد او أكثر مقيم في فرنسا سواء بطريقة شرعية أم غير شرعية، إضافة إلى العلاقات التاريخية بين البلدين، من دون أن ننسى حلم قطاع واسع من الشبان الجزائريين بالهجرة إلى فرنسا بحكم القرب الجغرافي والتقارب الثقافي بين الشعبين. تلك وغيرها عوامل تقف وراء هذا الاهتمام الكبير بالحياة السياسية الفرنسية، لكن السبب الأبرز الذي جعل هذا الاهتمام غير عادي بانتخابات 6 أيار (مايو) الماضي، كون احد نجومها كان نيكولا ساركوزي، المصنف في خانة عدو المهاجرين المسلمين بصفة عامة والمغاربيين بصفة خاصة وفي مقدمهم الجزائريون. وهو، اي ساركوزي، كان دائماً مصدر استفزاز بالنسبة إليهم منذ ان لمع نجمه في المشهد السياسي الفرنسي بسبب مواقفه ضد كل ما هو مسلم وإفريقي، إضافة إلى كون ساركوزي رفض الاعتذار عن جرائم الإستعمار الفرنسي في الجزائر. الشارع الجزائري تفاعل في شكل كبير مع هذه الانتخابات وعبر عن فرحته بانهزام ساركوزي، وهذا ما ظهر جلياً من خلال أحاديث الشباب في المقاهي او في وسائل النقل وعبر مواقع التواصل الاجتماعي. فتاة في مقتبل العمر كانت تستقل سيارة اجرة متوجهة صباحاً إلى عملها لم تجد حرجاً في التعبير عن فرحتها لخسارة ساركوزي وهي تتحدث إلى صديقتها بقربها «والله فرحت كثيراً وكنت على وشك ان أزغرد لما رأيت النتيجة على شاشة التلفاز، لولا خوفي من تعليقات الاسرة والجيران». وأضافت: «سمعت صرخات الفرحة تعلو من منازل جيراننا في العمارة»، فكان رد صديقتها مفاجئاً اذ قالت: «لمَ هذه الحماسة؟ هل هولاند الذي فاز رئيسك أم سيرسل لك راتباً نهاية كل شهر؟». وشرحت الاولى إنه «ليس رئيسها ولن يرسل لها المال» لكنها تفكر «بالمهاجرين المساكين الذين عاشوا الويلات في عهد ساركوزي وكان يستهزئ بهم» وختمت دفاعها قائلة: «حقيقة فرنسا تخلصت منه». الانتخابات الفرنسية كانت لب حديث الفتاتين طوال مسافة الطريق قبل أن تنزلا من سيارة الأجرة، لكنها لم تقتصر عليهما بل شغلت الجزائريين واعلامهم لفترة غير قليلة من الزمن. وأفردت الصحف اليومية مساحات واسعة ونشرت ملفات مفصلة عن الانتخابات الفرنسية ثم بعد اعلان النتائج بدا المحللون يناقشون بشيء من النكاية خسارة ساكن الاليزيه السابق. وعلى سبيل المثال عنونت جريدة «الخبر» احدى اكثر الصحف الناطقة بالعربية انتشاراً، صفحتها الاولى، «الفرنسيون يعاقبون ساركوزي»، في حين كان عنوان جريدة «الشروق»: «هولاند يطرد ساركوزي من الاليزيه». أما العنوان الاكثر إثارة فجاء في صحيفة «النهار الجديد» التي عنونت: «ساكوزي ارحل» على شاكلة الشعارات التي كان يرددها الثوار في بلدان الربيع العربي، أما صحيفة «الوطن» الناطقة بالفرنسية فكان عنوانها «هولاند الصورة الأخرى لفرنسا». وكما كان الاهتمام كبيراً والتعليقات كثيرة ومتنوعة مغلفة في قالب السخرية والاستهزاء بساركوزي في الشارع والإعلام المكتوب، لم يشذ رواد مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها «فايسبوك»، وكانوا في الموعد اذ لم يدخروا جهداً في تناول نتائج الانتخابات الفرنسية، سواء عبر التعليقات الساخرة ام الصور المركبة. ولعل الصورة الأبرز التي تم تداولها بشكل كبير، هي الصورة المركبة التي يظهر فيها ساركوزي وزوجته كارلا بروني بأيدي الشرطة، يطردان من الاليزيه، وكُتب تعليق «هذان الزوجان يردان إلى بلديهما الاصليين بولندا وايطاليا»، في إشارة الى اصول كل من ساركوزي وبروني. فرحة الشارع الجزائري بخسارة ساركوزي، كانت امتداداً لفرحة الجزائريين المقيمين في فرنسا، حيث حضر العلم الجزائري الى جانب غيره من اعلام المهاجرين وسط مناصري هولاند الذين تجمعوا في ساحة الباستيل التاريخية للاحتفال في وقت جاءت قضية محمد مراح لتصب الزيت على النار وجعلت المهاجرين المغاربة عموماً في وضع لا يحسدون عليه. ويكتب احد الجزائريين المقيمين في فرنسا على صفحته على «فايسبوك»: «لن نرى عهداً اكثر سوءاً وقساوة علينا من عهد ساركوزي».