انخفضت أسعار النفط خلال الأسبوعين الماضيين من أعلى مستوى وصلت إليه خلال الفصل الأول من هذا العام (نحو 128 دولاراً لبرميل «برنت») إلى نحو 110-113 دولار في الوقت الحاضر. وتعزى أسباب الانخفاض إلى: - محاولة الدول المنتجة الكبرى في «أوبك» خفض السعر إلى نحو 100 دولار للبرميل، بدلاً من رفعه إلى نطاق سعري ما بين 130-110 دولاراً، من أجل الحفاظ على الطلب على النفط. وقال الأمين العام للمنظمة عبدالله البدري في كلمة له في مؤتمر نشرة «بتروستراتيجي» السنوي في باريس: «نحاول خفض سعر النفط، فنحن غير مرتاحين لسعر النفط في نطاق 110-130 دولاراً. فهذا النطاق السعري يؤدي إلى تحطيم الطلب على النفط». وأضاف «ان منظمة أوبك تتطلع إلى سعر 100 دولار للبرميل لأنه يتناسب مع مصالح كلٍّ من المنتجين والمستهلكين». واستطاعت دول المنظمة بالفعل زيادة الإنتاج إلى نحو 32 مليون برميل يومياً من أجل تأمين كميات وافية من النفط ما أدى إلى كبح جماح ارتفاع الأسعار. ومستوى الإنتاج الجديد يزيد نحو مليونين برميل يومياً عن سقف الإنتاج المتفق عليه. - استمرار الأزمة الاقتصادية العالمية، التي تفاقمت بعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية والبرلمانية اليونانية، فهناك تخوفات من الفروق ما بين السياسة الفرنسية الجديدة بزعامة الرئيس فرانسوا هولاند الداعية إلى إعطاء أهمية اكبر للتنمية كوسيلة إصلاحية، بدلاً من اعتماد سياسة التقشف التي اعتمدها الرئيس السابق نيكولا ساركوزي والتي تعتمدها ألمانيا. وهناك النتائج المترتبة عن الانتخابات اليونانية التي أبرزت الأحزاب الصغيرة والراديكالية المعادية لسياسة التقشف وخسارة الحزبين الرئيسين، ما يجعل من الصعوبة بمكان تأليف حكومة ذات غالبية واضحة قادرة على المضي قدماً في سياسة التقشف التي يرفضها الرأي العام اليوناني، والتي من دونها يعني توقف القروض الأوروبية وقروض صندوق النقد الدولي، ما يعني احتمال خروج اليونان من منطقة اليورو. طبعاً، هناك أيضاً الانكماش الاقتصادي في إسبانيا، والخوف من توسع التدهور الاقتصادي إلى دول أخرى (إيطاليا)، والتأثير السلبي لتدهور الاقتصاد الأوروبي على الاقتصاد العالمي تدريجاً وانكماش الطلب على النفط بالذات إذا كانت الأسعار عالية. من ثم تبرز محاولة خفض الأسعار إلى نحو 100 دولار للحفاظ على الطلب من جهة وللمساهمة في إنعاش الاقتصاد العالمي من جهة أخرى. يؤكد وزراء «أوبك» ان أساسيات العرض والطلب على النفط لا تبرر الارتفاع العالي للأسعار. ويعزون ارتفاع الأسعار في الفصل الأول لهذه السنة إلى عوامل جيوسياسية، بالذات تلك المتصلة بالصراع الغربي-الإيراني حول الملف النووي الإيراني والعقوبات على صادرات النفط الإيراني التي سيبدأ تنفيذها من الأول من تموز (يوليو). وكان ممكناً ان ترتفع الأسعار أكثر، لولا قرار وتنفيذ الدول المنتجة الكبرى عدم السماح بأي نقص في الإمدادات العالمية. وبالفعل زادت السعودية إنتاجها إلى نحو 10 مليون برميل يوميا لتحقيق هذه السياسة. وأدت هذه الزيادة، وإنتاج كل من الإمارات والكويت بالطاقة القصوى المتوافرة لديهما، بالإضافة إلى عودة الإنتاج الليبي تدريجاً إلى مستويات ما قبل الثورة، وزيادة الصادرات العراقية نتيجة نصب أرصفة تصدير بحرية، في كبح جماح ارتفاع الأسعار عند مستوى 128 دولاراً، على رغم انخفاض الصادرات الإيرانية نحو مليون برميل يومياً. لكنْ بناء على الجو الإيجابي الذي ساد محادثات إسطنبول بين «مجموعة 5+1» (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا) وإيران في منتصف نيسان (أبريل) حول الملف النووي الإيراني، التي أدت بدورها إلى اتباع نهج «سياسة المراحل» من قبل الطرفين، إذ عرضت الولاياتالمتحدة حسب التصريحات الصحافية المسربة: إيقاف أعمال تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة، ووقف العمل تدريجاً في منشأة التخصيب في مدينة قم تمهيداً لإغلاقها نهائياً، وكذلك على ضرورة إخراج جميع اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة من الأراضي الإيرانية، ففي حال موافقة إيران قبول هذه المطالب، فان الغرب سيرد باتخاذ خطوات «بناء الثقة» إزاء النظام الإيراني، وكإشارة إلى جدية المحادثات اتفق على استمرار المفاوضات في بغداد في 23 أيار (مايو) الجاري. وعلى رغم ان جميع الأطراف أكدت عدم التوصل إلى اتفاق، وفي كل الأحوال، لم يكن هذا هو الهدف من مؤتمر إسطنبول. لكن يتضح ان الأزمة بين الطرفين خفت، وثمة محاولة للالتفاف حولها. والتفاهم هنا يعني ان إيران توافق على التطوير السلمي لتقنيتها النووية كما توافق على قيام الوكالة الدولية للطاقة النووية بتفتيش دقيق ومكثف للمنشآت. في هذه الحال، هناك احتمال فعلي لتخفيف العقوبات النفطية. ولعب هذا الاحتمال دوراً مهماً في الخفض السريع لأسعار النفط من 128 دولاراً إلى 113 - 110 دولارات. بمعنى آخر، نزِع فتيل العامل الجيوسياسي عن الأسعار. لكن يجب التأكيد هنا، ان لا قرار نهائياً حول الموضوع حتى الآن، والاحتمالات لا تزال مفتوحة لفشل هذه العملية، خصوصاً مع عدم مرونة الطرف الإسرائيلي. ماذا إذا نجحت المحادثات الجارية؟ طبعاً تحاول إيران التوصل إلى حل يساعدها التخلص من العقوبات المفروضة عليها. ومن ثم تغيير لهجتها ومواقفها. ودول الغرب، والولاياتالمتحدة خصوصاً، ليست في وارد حرب جديدة في الشرق الأوسط، قبيل الانتخابات الرئاسية. وسيكون للوصول إلى اتفاق علني وواضح دلالات مهمة في الأسواق النفط العالمية في الأمد القصير، إذ إن اتفاقا كهذا سيؤدي إلى انخفاض الأسعار. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية