«الربيع العربي»، «الثورة الليبية»، «الحصار الدولي»، «الثورة السورية»، «الملف النووي الإيراني». هذه هي عينة من العناوين التي تصدرت الأخبار السياسية خلال الشهور ال12 الأخيرة، ويعزى إليها السبب الرئيس، إضافة إلى استمرار زيادة الطلب العالمي، في الحفاظ على أسعار النفط عند مستوى يزيد عن 100 دولار للبرميل طوال عام 2011 وخلال الربع الأول من عام 2012. تراوحت الأسعار ما بين 100 و110 دولارات حتى نهاية العام الماضي، لكنها بدأت ترتفع تدريجاً حتى وصلت خلال ثلاثة أشهر إلى نحو 126 دولاراً للبرميل. ويعود السبب الرئيس في هذه الزيادة السريعة الأخيرة إلى أسباب جيوستراتيجية، أهمها تشريع العقوبات الغربية على إيران نهاية العام الماضي وما تلاها من تصريحات يومية حول احتمالات توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية إلى إيران، ورد الفعل الإيراني المتمثّل في التهديد بإغلاق مضيق هرمز الحيوي في حال منع الصادرات النفطية الإيرانية من التوجه إلى الأسواق. لكن، على رغم البلبلة التي حصلت في الأسواق بسبب تأزم الأوضاع في الشرق الأوسط والتهديدات الغربية بمقاطعة النفط الإيراني، حافظت إمدادات النفط من دول «أوبك» على مستواها، بل ارتفعت، لكن، على رغم ذلك ارتفعت أسعار النفط الخام والمنتجات البترولية. وخير دليل على ظاهرة زيادة الأسعار على رغم توافر الإمدادات هو التصريحات الأميركية والبريطانية الأسبوع الماضي عن احتمال استعمال الاحتياط البترولي الاستراتيجي في حال ازدياد أسعار البنزين في الولاياتالمتحدة وبريطانيا إلى مستويات أعلى مما هي عليه الآن. يذكر أن القوانين الأميركية تسمح باستعمال الاحتياط الاستراتيجي فقط عند حصول انقطاع في الإمدادات وليس زيادة في الأسعار. لكن على رغم اللجوء إلى احتمال استعمال الاحتياط من دون أي معلومات تذكر عن انقطاعات في الإمدادات، خصوصاً أن (الولاياتالمتحدة لا تستورد النفط الإيراني منذ عقدين تقريباً)، أثير هذا الأمر فجأة، وربما يعود السبب إلى قرب الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخريف المقبل، ومحاولة إزالة أي عقبة سياسية أمام إمكانية إعادة انتخاب الرئيس باراك أوباما، وأهمها ارتفاع أسعار البنزين، التي تشكل أمراً حيوياً للناخب الأميركي. ولكن على رغم الصراع الغربي - الإيراني الذي أجج أسعار النفط ودفعها إلى التصاعد مرة أخرى لتقترب تدريجاً من المستويات القياسية التي وصلتها عام 2008، قبل انهيار الأسواق والأسعار أواخر العام ذاته، ثمة عوامل أساسية كبحت ارتفاعاً أكبر وأسرع في الأسعار. العامل الأول، هو تأكيدات السعودية المتكررة ودول أخرى لديها القدرة الإنتاجية الفائضة أنها ستعوض النقص في الأسواق. قال وزير البترول السعودي علي النعيمي في كلمته أمام مؤتمر «منتدى الطاقة العالمي» في الكويت الأسبوع الماضي، إن السوق متوازنة حالياً. وتشير معلومات لنشرة «ميس» المختصة إلى أن إنتاج دول «أوبك» في زيادة مستمرة منذ نهاية العام الماضي حتى الآن، إذ سجّل 30.957 مليون برميل يومياً في كانون الأول (ديسمبر) و31.021 مليون في كانون الثاني (يناير) و31.258 مليون في شباط (فبراير). ويلاحَظ في الوقت ذاته انخفاض تدريجي في مستوى الإنتاج النفطي الإيراني بسبب تخوف الشركات العالمية من العقوبات الغربية، وذلك من 3.520 مليون برميل يومياً في كانون الأول إلى 3.500 مليون في كانون الثاني ثم 3.460 مليون في شباط، مع العلم أن الصادرات النفطية ترتفع عادة في الشتاء. ثانياً: ساعد في كبح ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية بطء العملية القيصرية الأوروبية لإنقاذ اليونان من الإفلاس، فالمشاورات المكوكية بين الزعماء الأوروبيين والتأخير الذي حصل في الوصول إلى قرار نهائي ذي صدقية، أقلقت الأسواق من حصول تقلص ضخم في الطلب المستقبلي على النفط في حال أخفقت أوروبا في التوصل إلى قرار مقنع يمكن تنفيذه، خصوصاً مع احتمال فشل الحكومة اليونانية في إقناع شعبها بتقديم التضحيات اللازمة، من صرف لآلاف الموظفين الحكوميين وتخصيص لشركتين حكوميتين مهمتين، منهما شركة للغاز، وخفض لمستوى الرواتب والتقاعد. ما هي النتائج المتوقعة في ظل هذه التطورات؟ أولاً، مع استمرار الأزمة النووية الإيرانية والتهديدات المتبادلة في هذا السياق، يتوقَّع أن تستمر الأسعار عند مستويات مرتفعة حتى يحصل نوع من التفاهم الغربي – الإيراني، وهذا أمر صعب للغاية في ظل المعطيات الحالية، خصوصاً وسط الضغط الإسرائيلي. ثانياً، إن الطلب العالمي على النفط الخام في ازدياد مستمر، ويتوقَّع أن يستمر على هذا المنوال ما دامت اقتصادات الدول الناشئة في خير. ثالثاً، تحملت السعودية أساساً، ومعها الإمارات، مسؤولية تعويض النقص الحاصل في الأسواق، ومنع الفوضى التي كان يمكن حدوثها، خصوصاً زيادة أعلى بكثير في الأسعار. رابعاً، إن الزيادة السريعة نسبياً في الأسعار على رغم توافر الإمدادات هي نتيجة المخاوف من التطورات السياسية في الشرق الأوسط والمضاربات الناتجة عنها. خامساً، يتضح أن أسعار النفط وصلت إلى مستوى فوق 100 دولار للبرميل، وهي مستمرة على هذا المستوى حتى إشعار آخر، والسبب في ذلك شيوع المخاوف من انقطاعات في الإمدادات لأسباب سياسية متعددة. وأخذت شركات النفط الكبرى تسعر مشاريعها على أساس 100 دولار للبرميل وما فوق. ويلاحَظ أن الموازنات السنوية العامة للكثير من الدول النفطية، أخذت تعتمد على أساس 100 دولار للبرميل، وهذا يعني أهمية تحقيق هذه الدول سعراً يزيد عن 100 دولار للبرميل لتلافي المسؤوليات والنفقات الجمة المترتبة عليها، خصوصاً الزيادة الكبيرة في الرواتب والدعم الذي التزمت به الحكومات تجاه مواطنيها. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية