يجزم المرشح للرئاسة في مصر الدكتور محمد سليم العوا، بأن تنافس 3 مرشحين إسلاميين في انتخابات الرئاسة سيفتت الأصوات، ولذا هو لا يمانع في تأييد مرشح تتفق عليه التيارات الإسلامية، رغم أنه غير مقتنع بقول بعض القوى السياسية إن فرصه ضعيفة. ويرى العوا في حديث الى «الحياة» أن «هناك محاولة لإرجاء أو إلغاء الانتقال الديموقراطي للسلطة»، وهو يضع أحداث العباسية في هذا الإطار، وينبه الى أن الاقتراب من وزارة الدفاع والمنشآت العسكرية كان أمراً غير صائب. ويعارض العوا أيَّ دور للجيش في الحياة السياسية، وكذلك وضع أي نصوص خاصة بالجيش في الدستور، ويؤكد ضرورة رقابة البرلمان أعماله ومتابعتها. وهو يشدد على أن لا أحد فوق القانون، حتى المشير طنطاوي نفسه، وأنه بمجرد انتخاب الرئيس فأي شخص أخطأ سيحاكم. وفي ما يأتي نص الحديث: كيف تنظر إلى أحداث العباسية؟ هناك رأي يقول إن مَن حرَّك هذه الأحداث أطراف لها مصلحة في تأجيل انتخابات الرئاسة؟ - نعم، أتفق مع هذا الرأي، فأنا أدين إدانة كاملة محاولةَ اقتحام محيط وزارة الدفاع أو أي مقر من مقرات الدولة. وأرى أن نقل الاعتصام إلى العباسية والاقتراب من وزارة الدفاع والمنشآت العسكرية كان أمراً غير صائب، والذي يحدث الآن هو محاولة لإثبات أن الفوضى سيدة الموقف ومحاولة لإرجاء الانتقال الديموقراطي للسلطة أو إلغائه. وأود هنا أن أشير إلى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أصاب وأخطأ، ولكن في ما يتعلق بالمسيرة الديموقراطية، المجلس قام بعمل خريطة الطريق يوم 22 تشرين الثاني (نوفمبر)، وأنا أعتقد أن من قام بما حدث في العباسية هم بقايا المؤتمرين بأوامر حسني مبارك. هذه الأوضاع تنذر باحتجاجات بعد انتخاب الرئيس، أنصار المرشحين الذين لن يحالفهم الحظ قد يلجأون إلى الاحتجاج؟ - أرى أننا بدأنا مسيرة الديموقراطية، وفي هذه المسيرة القانون هو سيد الموقف، فعلينا احترام القانون حتى وإن لم نرض بالحكم. وعلى أنصار المرشحين فَهْمُ ذلك جيداً، فالحق هو نصرة الوطن ونهضته لا نشر الفوضى فيه. ضد استباق النتائج ما رأيك في ادعاءات تزوير الانتخابات التي بدأت تتردد قبل أن تجرى الانتخابات؟ - أنا ضدها تماماً، جملة وتفصيلاً، فلو كانت هناك خطة لتزوير الانتخابات لكانت نُفِّذَت في الانتخابات البرلمانية، التي جاءت نزيهة ومعبِّرة عن آراء الشعب المصري. كيف نجنِّب أنفسنا أيَّ ادعاء بتزوير الانتخابات؟ - بالتزام الهدوء والتمتع بالسلوك الحضاري واحترام القانون ووضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار والثقة في أن المجلس العسكري يريد تسليم السلطة لرئيس مدني منتخب، وهو ما تم التأكيد عليه في التصريحات الأخيرة، التي شدد فيها المجلس العسكري على نيته تسليم السلطة في الرابع والعشرين من أيار (مايو) الجاري إذا حسمت الانتخابات من المرحلة الأولى. السلفيون قالوا على لسان الشيخ ياسر البرهامي، إنك أفضل المرشحين الإسلاميين، لكنهم تجنبوا دعمك، على اعتبار أن فرصك ضعيفة، هل ترى أن فرصك ضعيفة؟ - مع كامل احترامي لوجهة نظرهم، ولكني لا أرى أن فرصي ضعيفة. قلت منذ بداية ترشحي للرئاسة إنني مرشح الشعب المصري بكل أطيافه وفصائله السياسية، وأنا أراهن على جماهير الشعب المصري، فالإحصاءات تشير إلى أن الأحزاب والفصائل السياسية تمثل 8 في المئة من الأصوات، في حين تمثل جموع الشعب 92 في المئة، وأنا أراهن أن الشعب المصري قادر على اختيار الأصلح لهذه المرحلة واستكمال مسيرة الديموقراطية. أنت مرشح محسوب على التيار الإسلامي، وكل أطياف التيار الإسلامي أعلنت دعم إما الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح أو الدكتور محمد مرسي، ويرى مراقبون أن ذلك يحد من فرص فوزك. - أنا مرشح ذو مرجعية إسلامية ولكني لست مرشح التيار الإسلامي، فأنا مرشح الشعب المصري بكل أحزابه وأطيافه وفصائله، وأرى أنه إذا اتفقت التيارات الإسلامية على مرشح بعينه سأنصاع لهذا الاتفاق وأؤيده ولو لم أوافق على هذا الاختيار، وذلك منعاً لتفتيت الأصوات. هناك من يرى أن التيار الإسلامي توافق على أبو الفتوح عدا جماعة الإخوان والقوى المرتبطة بها التي دعمت الدكتور محمد مرسي. - أرى أنه إذا لم تتفق التيارات الإسلامية على مرشح واحد فقط قبل الانتخابات الرئاسية، ستتفتت الأصوات. التقيت كثيراً من الأحزاب والقوى، ودار حديث عن تنازلات ووساطات للاتفاق على مرشح إسلامي واحد، لماذا فشلت الوساطات؟ - عرض علي كثير من الصفقات السياسية لدعمي، ولكني لم أوافق على هذه الصفقات. السؤال الذي طرح علي من جانب القوى السياسية التي أرادت دعمي: ماذا سأقدم لهم؟ وكان ردي أني سأقدم لهم ما سوف أقدمه لساكن أحقر المساكن الشعبية في مصر. هذا النوع من الصفقات لا أقبله بأي شكل من الأشكال. هل تأمل في نصيب من أصوات التيار الإسلامي؟ - آمل أن أقوم بتنفيذ مشروعي السياسي الحضاري الوسطي وأن يلقى مشروعي استحسان الشعب المصري، سواء من يتبعون التيارات الإسلامية المسيَّسة أو غيرهم من كل أبناء الشعب المصري. لست شيعياً هل آذتك الاشاعات التي تتردد عن كونك شيعياً أو قريباً من الشيعة؟ هل أثرَتْ سلباً عليك؟ - أكثر ما آذاني نفسياً ومعنوياً هو اتهامي بالتشيع، وأنا أعرف مَن روَّج هذه الشائعة كأسلوب رخيص لجذب الأصوات، ولن أذكر اسمه أو أقتص منه في الدنيا، ولكن الله سيقتص لي يوم القيامة إن شاء الله. أما إذا كانت أثرت فيَّ بالسلب، فقد قمت بالتعليق على هذه النقطة مراراً وتكراراً، ومَن يؤمن بأفكار سليم العوا ويثق به لا بد أنه تحقق من عدم صحة هذه الشائعة، وهم مَن أهتمّ بهم دون النظر لمن جرى وراء هذه الشائعة، لأن تصديقه لها يدل على عدم إيمانه بآرائي وأفكاري في الأساس. ما موقفك من الشيعة؟ - بيننا وبينهم جامع ومانع. الجامع بيننا أركان الإسلام الخمسة وعقائد الإيمان الستة، أما العقائد التي يضيفها أهل الشيعة للإسلام، مثل الغيبة والتقية والوصية لسيدنا علي ووصية الإمام لمن بعده ومجموعة أخرى من العقائد الخاصة بالشيعة... فنحن لا نؤمن بها ولا نعتبرها جزءاً مكمِّلاً للإسلام. ما موقفك السياسي منهم؟ - أن تجتمع الأمة الإسلامية كلها أمام القوى التي تعادي الإسلام. وهناك موقف آخر يتعلق بالدولة الإيرانية، التي سبقتنا اقتصادياً وصناعياً، وتحقيق إرادتها السياسية أمام العالم كله، والنظرة المستقبلية لعلاقتنا بشيعة العالم الإسلامي أنهم مسلمون ونحن مسلمون ويجب أن نجمع الأمة الإسلامية كلها لتكون قوة ضاربة. وأرفض إقامة حزب شيعي في مصر، وأرفض أي دعوات للتشيع. في حال لم يحالفك الحظ للفوز بمنصب الرئيس، ما خططك؟ - في حال إخفاقي في انتخابات الرئاسة سأعود إلى أداء رسالتي التنويرية والمشاركة في الحياة العامة. الرئيس سينتخب من دون دستور، وقطعاً سيكون له دور في صياغته، ما النظام الأفضل لمصر بعد انتهاء المرحلة الانتقالية؟ - أفضِّل أن يكون نظام الدولة في الدستور الجديد برلمانياً رئاسياً. فرنسا هي النموذج الأعلى، ولبنان هي النموذج الأقرب لمصر، وفي هذا النظام يتولى الرئيس مهام العلاقات الخارجية بين البلاد دون تدخُّل في المسألة السياسية في الداخل، وتتولى هذه المهام الحكومة، والبرلمان يشرع القوانين ويضع السياسات التنفيذية الداخلية، فمصر لا تتحمل خلال الفترة المقبلة نظاماً برلمانياً، ولا يمكن الشعب أن يسمح بعودة نظام رئاسي ديكتاتوري، والطريق الوسط هو الجمع بين النظامين، حسنات النظام البرلماني والنظام الرئاسي. أما إذا جاء الدستور الجديد برلمانياً وأنا رئيس سأستقيل، لأني لا يمكن أن أكون رئيساً بروتوكولياً. العلاقة مع الجيش كيف ستكون علاقتك بالجيش في حال فزت بمنصب الرئيس؟ - أولاً، يجب أن يعاد تسليح الجيش المصري، ولا يجب استخدام السلاح الأميركي فقط ولكن يجب أن يتم تدريب الجيش على المزج ما بين السلاح الأميركي والأسلحة التي سنحصل عليها من العالم أجمع. خطتي تصنيع الأسلحة في المصانع الحربية، التي يجب أن يتم تطويرها لكي تنتج أسلحة جديدة تواكب المعايير والمواصفات العالمية. أما عن دور الجيش في السياسة، فلن يكون له أي دور في هذا الصدد، بل إن دوره حماية الدولة خارجياً، وداخلياً في حالة المشاكل الأهلية. والشروط التي تم الاتفاق عليها مع إسرائيل بخصوص تواجد الجيش في سيناء يجب أن يعاد النظر فيها، لأنها شروط مجحفة. البعض يرى أن علاقتك متقلبة بالمجلس العسكري، في بعض الأوقات تشيد به وأحياناً تنتقده، حتى أن هناك مَن يعتبر أنك مرشح مفضِّل للمجلس العسكري؟ - أحاول قدر المستطاع أن أقول الحق، وعندما كان تصرف المجلس الأعلى في نظري صحيحاً كنت أقول إنه كذلك وأكون أكثر المؤيدين، وعندما كانت تصرفاتهم غير مناسبة انتقدتهم علناً ودون خوف، خصوصاً عندما لم يكن هناك ميعاد واضح لتسليم السلطة، أو عندما اطلقت وثيقة السلمي. أنا أول من قال إنهم بشر يصيبون ويخطئون، وعندما ساد الغموض تجاه موقف المجلس من الانتخابات، أعلنت أنني علقت حملتي لأن هناك غموضاً في الموعد، وبقيت على هذا الموقف حتى اجتماع 22 تشرين الثاني (نوفمبر) الذي كان برئاسة الفريق سامي عنان، حتى انتهينا إلى إعلان المشير موعد تسليم السلطة وقبول استقالة عصام شرف. كيف ترى وضع الجيش بعد تسليم السلطة، خصوصاً أن هناك من يطالب بوضع مميز له؟ - أنا ضد وضع نصوص خاصة للجيش المصري في الدستور. ستكون السياسة الداخلية تابعة للحكومة والبرلمان، من حيث اقتراح الخطط والرقابة ومتابعة التنفيذ، وهو ما سيسري على الأجهزة كافة، بما فيها الجيش المصري. وماذا عن مستقبل رئيس المجلس العسكري المشير طنطاوي في رأيك، ومسألة تعيين وزير للدفاع؟ - المشير طنطاوي في سن لا تمكِّنه من الاستمرار في هذا المنصب، ولو كنا في ظل دولة برلمانية سيختار البرلمان وزيرَ الدفاع، وإن كانت رئاسية فعلى الرئيس التشاور مع الباقين من المجلس العسكري بعد الانتهاء من محاسبة المخطئ وإحالة مَن تعدّى عمره السن القانونية على المعاش، للاتفاق على الأصلح لهذا المنصب. هل تؤيد الدعوات لمحاكمة المجلس العسكري على ما يراه البعض أخطاءً في إدارة المرحلة الانتقالية؟ - لا أحد فوق القانون، المشير طنطاوي نفسه ليس فوق القانون، وأيُّ شخص أجرم في حق الوطن منذ ثلاثين عاماً إلى الآن لن يفلت من العقاب، حتى لو الجيش نفسه. ليس في مصر أحد فوق القانون، فمن أخطأ بمجرد انتخاب رئيس سوف يحاكم، وأولهم المجلس العسكري. ما أولوياتك كرئيس؟ - من أولى أولوياتي الإنسان المصري، الحكومات المصرية المتعاقبة قصرت في رعاية الإنسان المصري تقصيراً هائلاً جداً، في العقود الماضية لم يتم الاعتناء بالتعليم ولا الصحة ولا الرفاهية. لا طعام جيد ولا بيئة نظيفة. الإنسان المصري محروم من الحد الأدنى من المعيشة اللائقة. إذا تحدثت عن التعليم أتحدث عن الحد الأدنى للتعليم المحترم، وإذا تحدثت عن الصحة فمنظومة الجهاز الصحي يجب أن تُحدَّث، لضمان علاج لائق للفقراء، والاقتصاد يجب أن يعمل في إطار محاربة البطالة وزيادة الإنتاج وزيادة المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة، لاستيعاب هذه النسبة من البطالة، والأمن يجب أن يكون هدفه أمن المواطن أولاً. كيف يتحقق ذلك؟ وكيف تعاد هيكلة وزارة الداخلية؟ - خطتي في هيكلة وزارة الداخلية أن أفرغ الوزارة من المصالح التي ليست لها علاقة بالأمن، مثل المرور والمطافي والأحوال المدنية، والضباط والجنود في هذه الإدارات يجب أن يعملوا في الأمن ويحل محلهم مدنيون، ويمكن أن يكون على رأس هذه المصالح ضباط لكن الموظفين مدنيون. الضباط في هذه الإدارات محسوبون على قوة الأمن ولا يعملون فيها قط، وكل ضباط هذه الإدارات يجب أن ينزلوا إلى القوة الأمنية لأستوعب مكانهم مدنيين عاطلين. أهدف في النهاية إلى تمكين المصري من إعادة اكتشاف ذاته، فمصر دولة غاب فيها العدل وطغت الوساطة على القانون. ويجب أن يكون رئيس الجمهورية المقبل خادماً لمصر، رئيساً يمتلك رؤية وقدرة على اتخاذ القرار، ومهمته أن يحسن أحوال العباد والبلاد، وأن يكون محدد الصلاحيات ويعمل في إطار الدستور والقانون. يعدّ قهوته بنفسه ... ويزهد بالقصر يحافظ الدكتور محمد سليم العوا على هويته الإسلامية حتى في أدق التفاصيل، فمكتب المحاماة والاستشارات القانونية الذي يمتلكه في حي مصر الجديدة الراقي، زِينتُه قطعٌ تحمل كلها الطابع الإسلامي، بدءاً من لوحة كبيرة لأسماء الله الحسنى تتوسط صالة الاستقبال، مروراً بشهادة تقدير من اتحاد علماء المسلمين، الذي سبق أن تولى منصب أمينه العام، معلقة على أحد الجدران، فسجادة ثُبِّتت خلف كرسي مكتبه نقشت عليها آيات قرآنية. والرجل لا يوارب في تصنيف توجهه بأنه «من المسلمين، وأنه يدافع طوال عمره عن الفكرة الإسلامية». وللعوا عاداته، فهو يحرص على إعداد قهوته بنفسه، رغم كونه يحتسي أكثر من 10 فناجين يومياً، لكنه مطمئن الى أثرها الطبي بعد حديث مع صديقه الطبيب الأميركي، الذي أكد له أن القهوة التركية لا ضرر منها، وأن الخطر يكمن في الإسراف في تناول القهوة الأميركية. ويحتفظ المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية بجوار مكتبه بمنضدة صغيرة تحمل في ترتيب لافت أدوات إعداد القهوة. ويدقق عضو «مجمع اللغة العربية» في مفرداته ويطوِّعها، للتفرقة بين «المتشابهات»، فلا يخلط مثلاً بين الليبراليين والعلمانيين، ف «الليبراليون» صنف و «العلمانيون الأقحاح»، أي غلاة العلمانية، صنف آخر. والقانوني الطامح إلى الحكم، يعاهد نفسه على ألاّ يخطفه زهو القصر وبريق الكرسي، وسيكون أولَ قرار يتخذه، إنْ قُدِّر له أن يفوز في انتخابات الرئاسة، «الزهد» في القصر، فلن يتخذ منه مستقرّاً، ويَعِد بأن يُكمل حياته في منزله، وألاّ يستخدم قصور الرئاسة إلا في حدود نشاطات الرئيس، وألاّ يضيِّق على جيران القصور الرئاسية بالحراسات والمنع. أما قراره الثاني، فهو منع كل مظاهر نفاق الحاكم ورئيس الوزراء والوزراء، فهو يرى أن البلايين تنفق على نفاق هؤلاء من دون طائل، وإن قُدِّر له أن يُنتخب رئيساً، سيعمل طوال 4 سنوات على إيقاف هذا البذخ وتخصيص تلك البلايين لتنمية البلد.