لطالما كانت الأرصفة هي البيئة الخصبة التي احتضنت الحراك السياسي والثقافي للشبان، فغيرت مجرى كثير من الأحداث حول العالم، ولعل أغرب وأطرف تلك الصراعات التي كانت الأرصفة مسرحها، هو صراع «الشاي» على المقاهي المتنقلة «الأكشاك»، والتي تشبه إلى حد قريب تلك المقاهي التي توجد في شانزليزيه باريس وسوليدير بيروت مع فارق الشكل والمكان والجو. الشاي والذي كان يعرف لدى قدماء المؤرخين كعلاج لآثار احتساء الخمر، ومطهر للدم وعلاج للحمى، كما ذكر محمد العبودي في كتابه «الكلمات الدخيلة في لغتنا الدارجة»، وقال أيضاً: «إن الشاي ذكر في سالف الأزمان في كتب المؤرخين كأبي الريحان البيروني، وغيره من الكتب، كعلاج لكثير من الأمراض، وكان يُطلق عليه مسمى «تشاي» في اللغة الصينية». ويضيف العبودي، «إن أحد ملوك الصين الذين كانوا يقطنون مدينة «بانجو» كان يُحرم الإتجار بالشاي والخمر والملح، وأي شخص يحاول المتاجرة بها من دون علمه، يُعاقب معاقبة اللص، لأن جميع الأرباح التي تُجنى من السلع الثلاثة هذه تذهب لذلك الملك مباشرة». وفي الوقت الحاضر، وبعد ما ذاع صيت الشاي، وأصبح مشروباً شعبياً يفضله الكبير والصغير على وجه سواء، و جزءاً لا يتجزأ من حياة الشخص العادي، وصل الصراع إلى أشده بين المقاهي المتجولة والمنتشرة على الأرصفة والتي تعود ملكيتها لكثير من الشبان السعوديين، فبلوحات إعلانية تدل عليهم، و أباريق كبيرة وخدمة متميزة، اتخذ باعة الشاي من الأرصفة المحاذية للكورنيش مركزاً دائماً لهم جُهِز بأدوات صنعه، بمختلف الطرق والنكهات المضافة إليه، ومن أبرز تلك الطرق هي إعداد الشاي على «الجمر»، كأسلوب مبتكر لجذب عشاق هذا المشروب من مختلف الأعمار. يوسف إسماعيل صاحب أحد تلك المقاهي الموجودة بالقرب من كورنيش جدة، يقول: «أحرص على جلب أجود أنواع النباتات العطرية التي تضاف إلى الشاي كنكهات، فزبائني يحبون تذوق الشاي بها مثل «الحبق» و«النعناع» و«العطرة» و«الدوش». ويشير إسماعيل إلى أن سر إقبال الزبائن على شراء الشاي منه، يعود لاختياره لطريقة إعداد الشاي على الجمر، والتي تجعل من نكهة الشاي فريدة يفضلها الذواقة. أما سعود خالد، فتميز بطريقة أخرى في جذب زبائنه، فإضافة إلى تقديمه شاهي «الجمر»، وضع لوحة يلفت فيها أنظار الزبائن إلى أصناف أخرى غير الشاي، فهو يبيع «البسبوسة» و«الكنافة» وأنواعاً مختلفة من المكسرات، يقول: «المنافسة هنا محتدمة وعلى أشدها، ولكن بتميز ما أقدمه، يفضل الزبائن التعامل معي». ويضيف: «كثيراً ما يفضل زبائني شاي «التلقيمة» على «الفتلة» لمذاقه الفريد». ويصف سلمان الزايدي علاقته مع الشاي ب «الإدمان»، فهو يحتسي ستة أكواب يومياً منه، يقول: «دائماً ما أفضل شرب الشاي من هذه المقاهي في إجازات نهاية الأسبوع وفي أوقات متأخرة بعد منتصف الليل أحياناً، ولشاي الجمر مذاق مختلف جداً هنا». ويتفق معه وليد محمد الذي حمل بين يديه أوراقاً عدة من «الحبق» جلبها من منزله لإضافتها على الشاهي، مؤكداً أن حبه للشاي ب «الحبق» دفع به لشراء «حبق المدينة» بكميات كبيرة أسبوعياً، وتخزينه في منزله، ليضفي نكهة يحب تذوقها مع الشاي.