نحن بالفعل نعيش تنمية! أمامنا تجربة تنموية كبيرة وعملاقة وضخمة ورائدة ومميزة، إلا أن الجملة الطويلة السابقة ناقصة، معلقة في الهواء مثل منطاد يطل ركابه على المتطلعين إليهم من تحت... من الواقفين على سطح الأرض! نحن نعيش تجربة تنموية كبيرة وعملاقة وضخمة... للقطاع الخاص! حصراً. والدليل أن هذه التنمية لم يحصل منها المواطن سوى على الغبار والحفريات وضغوط على دخله، لم يتغير شيء، لا أصبح سرير المستشفى متوفراً بسهولة، ولا مقعد المدرسة كذلك، لكنك ترى نشاطاً كبيراً. المواطن فيه يشبه رجلاً تقام في حيهم حفلة كبيرة يسمع «طق الطبول» وضجيجاً، ولم يدعَ له، فلا هو يستطيع الحضور ولا النوم، وحين يفكر بالخروج يجد سيارة معترضة أمام طريقه. والحفلة الكبيرة بأنوارها المتلألئة وأهازيج «رافعاتها وشيولاتها»، هي حفلة للقطاع الخاص شريك التنمية الأوحد والوحيد المتوحد مع ذاته الملتفة حول نفسها. حسناً... ما الغريب في ذلك؟ موضوعياً من حق قطاعنا الخاص الاستفادة من إنفاق ضخم تضخه الحكومة، أصحابه مواطنون، وأقلها بقاء بعضه في البلد، هذا مطلوب ويحض عليه. القصة ليست هنا بل لها وجه آخر، وهو أن تلك الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص تتم على ظهر المواطن! تسألني كيف؟ فشلت غالبية الأجهزة الحكومية في الوفاء بمسؤولياتها، أنتج هذا سوقاً كبيرة للقطاع الخاص لتقديم هذه الخدمات، فتم افتراس المواطن. وحتى لا يضيع التعميم القضية، نأخذ مثالاً على ذلك التربية والتعليم، لم توفر الوزارة المدارس و«المقاعد» المناسبة، فاضطر الناس للاتجاه إلى المدارس الأهلية، استثمر هذا القطاع الأهلي «دعم» الحكومة واستمر، مانع وراوغ مستغلاً حاجات شباب وشابات للعمل «بتراب الفلوس»، أرخص أيادي عاملة «وطنية» حصل عليها، وجاءت ثمرة التسويف والمماطلة بقرار دعم رواتب التوطين، فانتهز «القطاع» الفرص مرة أخرى في رفع الرسوم قبل التطبيق بوقت طويل وما زال... إذ لم يبدأ التطبيق! علاوة الإصدار هنا سنوية ليست مرة واحدة بل كل عام، مع «نثريات» فصلية مزاجية. هذا الخلل هو في «وجه» وزارة التربية والتعليم، إذ لا تحرك ساكناً، فإذا همهم الناس أن كثيراً من تلك المدارس يمتلكها موظفون سابقون في التربية والتعليم أو حاليون «بصورة أو بأخرى» فمن الطبيعي البحث عن المستفيد من عجز الجهاز الحكومي، وهل هو عجز أم «تعجيز»؟ ما سبق نموذج يمكن القياس عليه، والصورة التي ألمسها هي شعور عام بأن شراكة القطاع العام والخاص تتم على حساب المواطن، فلا هو مدعو للحفلة ولم يسلم من الضجيج والجشع، ودخله على حاله قد أكله التضخم. www.asuwayed.com @asuwayed