عندما ضمت إسرائيل مدينة القدسالشرقية عام 1968، في السنة التالية لاحتلالها، سعت إلى فرض نظام التعليم الإسرائيلي على التلاميذ الفلسطينيين في المدينة التي أعلنتها «عاصمة أبدية» لها، وذلك بخلاف المدارس الأخرى في باقي أجزاء الضفة الغربية وقطاع غزة. وجابه المقدسيون تلك السياسة التي اعتبروها أحد فصول خطة شاملة لأسرلة المدينة وتهويدها، ما أدى إلى تراجعها. لكن بعد مرور أكثر من 40 سنة، عادت تلك السياسة عبر وسائل مختلفة، بعضها معلن ومباشر، والبعض الآخر خفي وغير مباشر، حتى انه يمكن وصفها بالاستيطان الذي يستهدف التعليم بعدما استهدف الأرض. وتنقسم المدارس في القدسالشرقية التي تضم 78 ألف طالب وطالبة، إلى أربعة أنواع هي: مدارس تابعة للبلدية، وأخرى خاصة، وثالثة تابعة للأوقاف الإسلامية، ورابعة ل «وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين» (اونروا). وقال مدير مؤسسة «النيزك» عارف الحسيني، وهي مؤسسة أهلية تعليمية في القدس، إن مدارس البلدية التي تسيطر عليها إسرائيل تشكل الغالبية وتمثل 56 في المئة من المدارس، فيما تشكل المدارس الخاصة نحو 25 في المئة، والأوقاف الإسلامية 18 في المئة، والباقي ل «اونروا». وعندما رفضت المدارس بكل أنواعها المنهاج الإسرائيلي عام 1968، تراجعت السلطات الإسرائيلية وسمحت لها باستخدام المنهاج الأردني الذي ظل قائماً إلى تأسيس السلطة الفلسطينية واعتماد المنهاج الفلسطيني. لكن منذ العام الماضي، بدأت إسرائيل بسياسة جديدة تهدف إلى تغيير محتوى المنهاج الفلسطيني واستبداله تدريجياً بالمنهاج الإسرائيلي الذي رفضه المقدسيون قبل أكثر من أربعة عقود. وقال الحسيني إن السلطات الإسرائيلية تعمل على تطبيق خطة تقوم على الاستبدال التدريجي للمنهاج الفلسطيني بالإسرائيلي. وأضاف: «بدأوا في المرحلة الأولى بإعادة طباعة المنهاج الفلسطيني للمدارس التابعة للبلدية وإزالة كل ما يتحدث عن فلسطينية المدينة وعن قيم الجهاد والشهادة وغيرها». وأضاف: «ثم انتقلوا بعد ذلك إلى المدارس الخاصة التي تعاملوا معها بالأسلوب التدريجي، إذ قدموا لها في المرحلة الأولى مخصصات مالية تقدمها الدولة العبرية لكل المدارس الخاصة في إسرائيل، وبعد ذلك انتقلوا إلى قائمة شروط، منها تطبيق المنهاج المعدل الجاري استخدامه في المدارس التابعة للبلدية في هذه المدارس، ورفض تعيين معلمين من سكان الضفة الغربية وغيرها». وشكل أهالي القدس أخيراً لجان محلية من أولياء أمور الطلاب والمعلمين والمدارس لمقاومة فرض المناهج الإسرائيلية على القدس. ولجأت هذه اللجان إلى السلطة الفلسطينية لمساندتها في مواجهة الخطة الإسرائيلية. وتحظر إسرائيل على السلطة العمل في القطاعات المختلفة في المدينة، وضمنها المؤسسات التعليمية. لكن السلطة وجدت وسائل غير مباشرة لدعم التعليم الفلسطيني في القدس عبر توفير تمويل للمؤسسات غير الحكومية المقدسية، مثل مؤسسة فيصل الحسيني وغيرها التي تعمل بدورها في تطوير المدارس وتنميتها. وعملت مؤسسة الحسيني في السنوات الأخيرة على ترميم مدارس قديمة وبناء مدارس جديدة أو أقسام جديدة في مدارس قائمة. واعترضت إسرائيل على تلقي المؤسسة تمويلاً من السلطة ومارست ضغوطاً على مدراء المدارس لمنع هذا الدور الذي ترى فيه دوراً سياسياً. ووجه ممثلو المؤسسات الأهلية وأولياء الأمور قبل أيام مسيرة إلى مقر رئاسة الوزراء في رام الله ضمن مسيرة الحملة العالمية للتعليم، والتقوا رئيس الحكومة الدكتور سلام فياض لبحث مخاطر فرض المنهاج الإسرائيلي على مدارس القدس. وقال فياض للمشاركين إن «السلطة ستعمل على حماية المنهاج الفلسطيني في القدسالشرقية بمكوناته ومواجهة هذه الإجراءات والمحاولات المستمرة للتشويه والعبث بالمنهاج العربي الوطني في المدينة». ويقول ممثلو المؤسسات التعليمية في القدس إن مقاومة المسعى الإسرائيلي يتطلب الكثير من الموارد والجهود. وأضاف الحسيني: «المعركة على المنهاج الفلسطيني بدأت، وستستغرق الكثير من الجهود والموارد». وأوضح: «المعركة على التعليم في القدس لا تختلف عن المعركة على كل بيت وحجر في المدينة».