قبل أسابيع من مقتل معلم اللغة الإنكليزية في المركز السويدي في تعز، الأميركي جويل شرم، قتل الشاب اليمني فتحي عزيز القادري واختطفت المعلمة السويسرية سلفاني أبراهاردن. وعلى رغم تلاقي الحوادث الثلاث في تهمة التنصير، بيد أن قضية القادري لم تلقَ الاهتمام الذي لقيته قضيتا شرم وأبراهاردن. ويخشى البعض أن يكون يمنيون آخرون قتلوا خلال الاحتجاجات التي شهدها اليمن بسبب اعتناقهم المسيحية من دون أن يكتشف أحدٌ الدافع الحقيقي ل «اغتيالهم»، خصوصاً في ظل السرية والتكتم اللذين يطبعان سلوك كثير من المنتقلين إلى ديانات أخرى، في وقت يتزايد الحديث عن ضلوع أطراف داخل مكونات الثورة في الجرائم التي طاولت المتظاهرين. ومعلوم أن حزب المؤتمر الذي يرأسه الرئيس السابق علي عبدالله صالح تشكَّل أصلاً في صيغة جبهة تضم جماعات إسلامية وقومية ويسارية، وهو بقي ساحة صراع بين الجماعات الأيديولوجية والمذهبية المتصارعة. حتى وهي خارج الحكم. وتوفر حال الفوضى والانفلات الأمني التي يشهدها اليمن منذ ما يزيد عن 13 شهراً، فرصة ملائمة لتصفية حسابات وإنجاز أجندة مؤجلة مثل عملية مكافحة التنصير التي نشطت خلال العقد الماضي. إلّا أنها لم تصل إلى حد استهداف يمنيين كما هو حاصل الآن. وعلى رغم توقيع اليمن على المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. إلّا أنه لم يطرأ أي إصلاح للتشريعات الوطنية بما يضمن حرية الاعتقاد. ويجرم القانون اليمني ترك المسلم دينه واعتناق ديانة أخرى، وينص على إعدام المرتد. والعقوبة نفسها تطاول المبشرين. إلا أنه لم يسبق أن حوكم أفراد أو منظمات بتهمة التبشير، تجنباً للانتقادات الدولية، ربما. وتزامنت الحوادث الثلاثة مع انتشار ملصقات في شوارع مدينة تعز تضمنت حديثاً منسوباً إلى النبي محمد (صلعم) «نظفوا ساحاتكم فإن أنتن الساحات ساحات اليهود». وكانت جماعة «أنصارالشريعة» القريبة من تنظيم «القاعدة» أعلنت مسؤوليتها عن قتل جويل شرم (30 سنة) في آذار (مارس) الماضي بتهمة التنصّر، إلا أن مصادر مطلعة رجحت وجود «ضوء أخضر» من جهات رسمية في عمليات استهداف شخصيات متهمة بالتنصير. ووفق هذه المصادر فإن المعهد السويدي والعاملين فيه لم يتعرضوا لأي تهديد خلال ذروة القتال الذي شهدته تعز بين القوات الموالية للرئيس السابق والمسلحين المؤيدين للثورة، مستغربة وقوع هذه الحوادث بعد توقف القتال وتشكيل حكومة وفاق وطني. وعرف عن وزير الداخلية الحالي عبدالقادر قحطان أثناء توليه إدارة أمن تعز في تسعينات القرن الماضي تشدده في التضييق على ممارسة الحريات الشخصية ومن يعتقد بأنهم مبشرون. ومنهم مسيحي مصري كان افتتح مكتبة في تعز. وتتهم الجمعيات الإنسانية الدولية ومعاهد تعليم اللغات الأجنبية ومنها المركز الذي عمل فيه شرم بأنها إحدى قنوات التبشير في اليمن. وأكد دارسون في المعهد السويدي أن المعهد، ومنذ تأسيسه في سبعينات القرن الماضي، وزع نسخاً من العهدين الجديد والقديم على بعض طلابه. ولئن بات اقتناء الكتاب المقدس متاحاً، خصوصاً مع انتشار مواقع تبشيرية على شبكة الإنترنت، إلا أن اعتناق يمنيين المسيحية لا يتعلق أساساً بقراءة الكتاب المقدس بل يعود على الأرجح إلى نوع من السخط والرفض للواقع نتيجة الإحباط الذي يعانيه كثير من الشبان والجمود الفقهي لدى الحركات الإسلامية. ولوحظ أن بعض الذين انتقلوا من الإسلام إلى المسيحية يفعلون ذلك من باب الشغف بما هو مختلف يقودهم في الغالب انبهارهم بالعالم غير الإسلامي. وثمة من يرجع اعتناقه المسيحية إلى التشدد في الإسلام وتقييد الحريات الشخصية. وبات العنف الذي تمارسه الجماعات والتقاتل ما بين أتباع المذاهب حجة يحاجج بها الشبان المتحولون إلى المسيحية لتأكيد فضيلة التسامح في المسيحية ولا عنفيتها. وهناك من يقول إن هدف الإنسان المتدين هو الإيمان بالله وعبادته بصرف النظر عن نوع الديانة سواء كانت إسلامية أم مسيحية أم يهودية، فهذه، وفق تعبيرهم، مجرد «طرائق لمعرفة الرب». ولوحظ أن معظم الذين يزعمون اعتناق المسيحية، لم يكونوا سابقاً ملتزمين تماماً الشعائر الإسلامية. ومثل هذا يسري على دياناتهم الجديدة مثلهم مثل كثير من الشبان المسلمين الذين تقتصر علاقتهم بالدين على ما تحدده الجهات الرسمية في الأوراق الثبوتية. وتنتشر صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لشبان يمنيين اعتنقوا المسيحية بعضها بأسماء حقيقية والبعض بأسماء مستعارة. وكان القادري وهو مدرس فلسفة في ثانوية الجلاء في منطقة شرعب في ضواحي تعز تلقى تهديدات متكررة وتعرض لاعتداءات. وفي 2009 رفعت ضده دعوى احتساب تتهمه باعتناق المسيحية، بيد أن النيابة لم تقبل الدعوى لافتقارها للأدلة الكافية وفق ما أفادت أسرته ومصادر في لجنة التحقيق. ويؤكد أصدقاء القادري أنه ربما كان مادياً أكثر منه مؤمناً بالمعنى العميق للإيمان. لكنهم لا يستبعدون اطلاعه على كتب مسيحية وحديثة في مجال حرية الاعتقاد. وأفيد بأن الذين رفعوا دعوى الاحتساب هم من طلابه. وتضع الجماعات الإسلامية ما يشبه قوائم بأسماء الجمعيات والمعاهد المتهمة بالتبشير. ولم يعرف ما إذا كانت هناك قوائم بأسماء من تقول إنهم مرتدون. وتعدّ تعز وعدن من أكثر المناطق اليمنية المؤهلة للتعايش مع ديانات أخرى. وتوجد في عدن جماعة مسيحية صغيرة معظمها من أصول هندية وتعرضت الكنائس الموجودة في المدينة لأعمال تخريب من قبل جماعات متشددة. ولم يتبق سوى كنيسة واحدة تؤدى فيها الشعائر. ويعدّ المجتمع اليمني من أقل المجتمعات العربية تقبلاً لفكرة التعدد الديني. وكانت الاعتداءات المتكررة التي تعرض لها أتباع الديانة اليهودية منذ منتصف القرن الماضي وآخرها ما تعرض له يهود صعدة أدت إلى هجرة اليهود اليمنيين ولم يتبق منهم سوى نحو 400 شخص.