لم تهدأ بعد وتيرة السجال بين نقاد مصريين ومثقفين سعوديين، حول الاتهامات التي طاولت مصريين بالتكسب أو المجاملة من وراء كتاباتهم النقدية حول الأدب السعودي. وكان الدكتور عبدالله الرشيد هو من كشف ذلك من خلال التعقيب الذي أدلى به في ملتقى النقد الذي نظمه نادي الرياض الأدبي، أخيراً. الرشيد قال ل«الحياة» إن ما قاله تعرض للتشويه، لذلك عاد إلى نص التعقيب الذي قدمه في الملتقى، وأثار نقاشاً حاداً لم ينتهِ بعد، وفيه يرى أن الأوراق التي قدمت في إحدى الجلسات تكشف عن كثرة مشاركات المصريين في تتبع مسيرة الأدب في المملكة ومواكبتها نقديّاً، غير أنه اعتبر أن هذه المواكبة «لم تكن مؤسّسةً على الرغبةِ في إنجاز مشروع نقدي يساير الإبداع ويطيل النظر فيه، ويتتبع مظاهر التطور، ويبني عليه أحكاماً ونتائج تدفع به، وتؤهّله لتجاوز الراهن واستشراف المستقبل؛ ذلك أن غالب ما كتبه النقاد العرب من المصريين وغيرهم كان استجابة لحاجات آنية تتصل بأعمالهم في التدريس الجامعي غالباً، وتحفزهم إليها أخيراً هذه الملتقيات والندوات التي تنظّمها الأندية الأدبية وغيرها». وقال في تعقيبه: «بناء على ذلك لا أميل إلى إدراج غالب نتاجهم في (الخطاب النقدي) الذي جُعل ضمن عنوان الدورة الرابعة. فهذا الغالب لا يعدو أن يكون انطباعاتٍ حدتْ إليها المجاملة أو المتاجرة أو الحاجة إلى تقديم محاضرات موجزة لطلاب جامعيين، أو تجميعاً عشوائيّاً لنصوص، أو تعليقات لا تقدّم شيئاً ذا بال. بل إنهم بعضهم استُكتِب، فكتب كلاماً عاديّاً جداً لا ينتمي إلى النقد ولا يرعى حول الحمى ولا يوشك أن يرتع فيه. أذكر أن أحدهم ألّف كتاباً عنوانه (المرأة في منظار الشعر السعودي) فكان من نتائجه الباهرة اكتشافُه أن الشاعر السعودي يحب بناته!». وأكد الرشيد أن الالتفاتَ إلى الأدب السعودي «مطلب مهم، والعناية به ودرسَه ونقدَه ظاهرة نحتفي بها، ولكننا نريد نتاجاً يصل إلى مستوى ما أنجزه علي جواد الطاهر في «معجم المطبوعات العربية» وهو- وإن لم يكن عملا نقدياً - أثر من آثار قدوم الأساتذة الجامعيين إلى بلادنا، واكتشافهم الحاجة إلى التعرف على أدبنا. أو يصلُ إلى مستوى كتاب بكري شيخ أمين «الحركة الأدبية في المملكة»، إذ إن هذين الكتابين أسّسا لدراسات لاحقة، وقدّما أنموذجاً يقتدى به. وإذا أخلق الزمنُ جِدّة ثانيهما، ففضيلة الرّيادة باقية لم تخلَق. وأسلك في الدراسات التي كان يمكن أن تبلغ درجة المشروع النقدي ما كتبه أحمد كمال زكي وبدوي طبانة ومحمد الشنطي وآخرون، ويكفي هذه الجهود – على ما في بعضها من عموميات وابتسار وعناوين مخاتلة - أن نبّهت إلى بعض زوايا الإبداع، ولفتت النظر إلى إشكالات وقضايا تتصل بالنص الشعري». واتفق مع الدكتور عبدالله ثقفان، «على أن كثيراً ممن عُنوا بنقد الشعر في المملكة لم يحيطوا بأبعاد ما يدرسون، ولم يكونوا وُعاةً بالظروف التي نبت فيها وأزهر وأثمر، واكتفوا بإسقاط أحكام جاهزة عليه. وبعض من ذكرهم في ورقته لم يتجاوز جهدهم جمعَ النصوص والتعليقَ عليها تعليقاً مدرسيّاً، ولا فضيلة لهم حتى في الاختيار. وأذكّره بأن بعض ما كُتب في نقد الشعر السعودي هو في الأصل مقالات صحافية تكتب على عجل ولا تكون صالحة للاستهلاك الآدمي. ولكني رأيته (يقصد الدكتور ثقفان) متردّداً في التصريح بوجهة نظره، وكأنّه آثر المجاملة فأطلق كلاماً عامّاً، ووددت لو أنه خصّ بورقته ناقداً واحداً حتى يتّجه إلى العمق، ويكون حكمه واضحاً صريحاً. أما ما ذكرته الدكتورة شادية شقروش من مظاهر الخلل النقدي عند كاتب واحد، فيمكن أن يصدق على كثير من النقاد أو كتّاب النقد، فغياب المنهجية واضطراب المصطلحات والمسح الطبوغرافي السياحي للنتاج المدروس، بحسب تعبيرها، والاندفاعُ العاطفي إعجاباً أو عدم إعجاب، وهجاءُ المبدعين – واللفظ لها - كل ذلك ظاهر لا تكاد تخطئه العين في جُلّ ما كُتب. وإنّ دهشتها من اضطراب المصطلح عند السمطي (النصّ الموازي مثلاً) يمكن أن تتكرر كثيراً، فلتهيّئ نفسها لوجبات من الدهشة الدسمة، ففي كتابات غيره فوضى مصطلحية واضطراب منهجي أشدّ». واعتبر الرشيد أن المشكلة ليست في النقد الانطباعي، «إن جاء من ناقدٍ ذوّاق للأدب ولم يكن هو الغالبَ على منجزه النقدي، بل المشكلة فيما ذكرتْه مما يمكن أن يُدرج ضمن نزعات الانتقاء والإقصاء والتعميم، وكلها تصل بالناقد إلى الادّعاء ، وأحْر بمن تلك صفاتُه ألا يكون له أثر مشكور. أما نجلاء آل حماد فقد لاحظت أنها نظرت إلى حسين علي محمد الناقد ومنهجِه في تناول النص، فوصفت طريقته في التعامل مع النص ولم تصل إلى (نقد النقد) الذي هو شعار لهذا الملتقى، وعليه فورقتها - على أهمية موضوعها - لم تأت في موضعها المناسب. وفيها إضافةً إلى ذلك أحكام تجعل الذنوب حسنات، إذ إنها تقول: «غالب كتاباته النقدية من مقوله لا منقوله؛ إذ تكاد تنعدم الإشارات المرجعية التي تشير إلى استعانته بكتابٍ ما، وفي هذا دلالة على سعة وعيه العلمي والمعرفي وتمكّنه)!! وأقول: «إن هذا خطأ منهجي لا تأويل له عندي سوى ما ذكرتُه سلفاً عن غيره، وهو أنه يكتب محاضرات جامعية، تكتفي بالوصف الظاهري للنصوص الشعرية وتقسيمها تقسيماً تعليميّاً مبسّطاً، يناسب مدارك الطلاب في جُلّ ما كتب، أو أن كتاباته هي في الأصل مقالاتٌ صحفية لا تلائمها صرامةُ الكتابة العلمية». واختتم الرشيد تعقيبه قائلاً: «إن موقفي هذا الذي أجملتْه الفقرة الماضية لا يمنع من أن أحتفيَ بكلّ دراسة نقدية تنطلق من الرغبة في تأمّل الإبداع ومسايرته، وتحقّق شرط المنهجية العلمية، وتتسم بالموضوعية، وتسهم في التأسيس لقراءات أخرى. وأحسب أن هذا الملتقى مرشّح لأن يكون محضناً لما نطمح إليه».