استضاف «مركز دبي المالي العالمي» امس ندوة بمناسبة صدور التقرير الاقتصادي لصندوق النقد الدولي، عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان، والذي حمل عنوان «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: التحولات التاريخية تحت الضغوط». ويأخذ التقرير في الاعتبار الأخطار التي تهدد استقرار الاقتصاد الكلّي للدول العربية على المدى القريب، والتي زادت نتيجة عوامل عدة، منها التحولات السياسية والمطالب الاجتماعية الملحة والبيئة الخارجية المعاكسة. وعلى رغم احتواء هذه الأخطار إلى حد ما خلال العام الماضي، توقع الصندوق أن يتسم العام الحالي ب «قدر من الصعوبة نتيجة تعثّر النمو وارتفاع معدلات البطالة واستمرار الضغوط المالية والخارجية». ووفقاً للتقرير، استفادت الدول المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان من ارتفاع أسعار النفط عالمياً، وتمكّنت عموماً من تخفيف أثر التباطؤ العالمي الناجم عن أزمة منطقة اليورو. وانخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول العام الماضي إلى 4 في المئة، لكن يتوقع ان يرتفع إلى 5 في المئة هذه السنة. وبلغ فائض ميزان المعاملات الجارية للدول المصدرة للنفط في المنطقة مجتمعة ضعف ما كان عليه قبل سنة، ليسجل 400 بليون دولار العام الماضي. ويتوقع أن يدعم استمرار الإنفاق الحكومي، في ظل كثافة المطالب الاجتماعية وارتفاع سعر النفط العالمي، القطاع غير النفطي الذي يتوقع أن ينمو بمعدل 4.5 في المئة. ووصل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج إلى 8 في المئة العام الماضي، بدعم من ارتفاع إنتاجها من النفط، للتعويض عن انخفاض المعروض النفطي العالمي. ومع عودة الاستقرار إلى الدول الأخرى المنتجة للنفط، ستستأنف دول الخليج إنتاجها عند المستويات الطبيعية، وبالتالي، يتوقع أن يستقر نمو ناتجها على 5.3 في المئة. وتابع التقرير ان العام الماضي كان صعباً بالنسبة لمستوردي النفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان، حيث أضعفت الاضطرابات الاجتماعية وتدهور قطاعي السياحة والاستثمار، فضلاً عن ارتفاع أسعار الطاقة وتباطؤ النمو العالمي، النشاط الاقتصادي، ما أدى إلى انخفاض نمو هذه الدول إلى 2.2 في المئة. ورجح أن يشهد قطاعا الاستثمار الخاص والسياحة، وهما مصدر مهم لفرص العمل وإيرادات التحويلات النقدية، تعافياً بطيئاً هذه السنة، وأن يرتفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمستوردي النفط في المنطقة إلى 2.7 في المئة، فيما ستكمن أخطار التطورات السلبية الرئيسية على المدى القريب في احتمال حدوث زيادة كبيرة في سعر النفط، ما سيؤثر على الناتج والأرصدة الخارجية. وانتقد الصندوق سياسة الدعم التي تقدمها الدول العربية للسلع، التي تصل قيمتها الى 200 بليون دولار سنوياً، باعتبارها تستهلك الفوائض المالية في المنطقة وتؤثر على معدلات الإنفاق على قطاعات أخرى، مثل البنية التحتية والتعليم والصحّة. وسلط الضوء على حاجات التمويل الخارجي للدول المستوردة للنفط التي يتوقع أن تبلغ نحو 90 بليون دولار هذه السنة، و100 بليون العام المقبل، وبالتالي هي في حاجة إلى الحصول على تمويل رسمي في الوقت المناسب. مسعود أحمد وقال مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد مسعود أحمد «يستمر مصدرو النفط في منطقة الشرق الأوسط بالاستفادة من ارتفاع أسعاره، وبالتالي سيزداد نمو الناتج في هذه الدول، ويمتد على نطاق أوسع خلال العام الجاري». وتابع «مع ذلك، ازدادت نقاط الضعف المالية تجاه انخفاض سعر النفط العالمي، إذ لا تزال التحديات الهيكلية قائمة، منها مواصلة تنويع اقتصادات هذه الدول والحاجة الماسة لخلق فرص تتماشى مع النمو المتزايد لشريحة السكان في سن العمل». وأشار الى ان العام الحالي سيكون صعباً بالنسبة للكثير من الدول المستوردة للنفط في المنطقة، بخاصة تلك التي تمر بمرحلة انتقالية. ومع تعثر النمو وارتفاع معدلات البطالة، يواجه الكثير من هذه البلدان تقلصاً في الحيّز المتاح لخيارات السياسة، بعد أن أفرطت في السحب من احتياط النقد الأجنبي العام الماضي. ولفت إلى ان الدول العربية التي تمر بمرحلة انتقالية تحتاج الى سنتين أخريين لتستعيد عافيتها، وإنها تحتاج الى تمويلات كبيرة. وأشار إلى ان صندوق النقد رصد 35 بليون دولار لبعض الدول العربية التي تجد صعوبة في انتهاج إستراتيجية تعمل على زيادة النمو بسبب المرحلة الانتقالية المضطربة وعدم الاستقرار السياسي والاحتجاجات. وأكد رغبة الصندوق في تقديم قروض الى مصر بقيمة 3.2 بليون دولار «فوراً»، بعد تسلم برامج التنمية وخططها والتي تنوي الحكومة الجديدة القيام بها. وفي حديث جانبي مع «وكالة الصحافة الفرنسية»، توقع أحمد ان ينكمش الاقتصاد السوري في شكل ملحوظ هذه السنة، بسبب العنف المستمر منذ 14 شهراً والعقوبات على القطاع النفطي، مضيفاً ان الانخفاض المتوقع سيكون «ملحوظاً». لكن لم يقدم ارقاماً محددة عن الاقتصاد السوري، بسبب النقص في المعلومات في خضم الحالة السياسية المضطربة. وقال رئيس الشؤون الاقتصادية في «مركز دبي المالي العالمي» ناصر السعيدي «على رغم أن دول الخليج والدول الأخرى المصدرة للنفط لا زالت تنتفع من الأسعار العالية للنفط، إلا أن النمو الاقتصادي سيتأثر في ظل استمرار التحولات التي تشهدها المنطقة نظراً الى البيئة العالمية الصعبة». ولفت إلى أن «خلق فرص عمل سيتصدر أولويات السياسات الاقتصادية والاجتماعية لهذه الدول، ما يؤكد أهمية وجود جدول أعمال شامل قادر على دعم عجلة نمو القطاع الخاص ودفعها، منها الشركات العائلية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتوظيف الأموال بفعالية وتوجيه الموارد لتلبية الحاجات المتزايدة للبنية التحتية والاستثمار في المنطقة. وتابع ان الوقت مناسب لإنشاء بنك عربي متخصص بإعادة الإعمار والتنمية. إلى ذلك، اعلن صندوق النقد من واشنطن رفضه الخضوع لضغوط مجموعة اميركية مؤيدة لإسرائيل لقطع صلاته مع ايران. وأكد رئيس قسم العلاقات الصحافية فيه وليام موراي في رسالة الكترونية، ان «لا شيء في انظمة العقوبات للاتحاد الأوروبي او الولاياتالمتحدة ضد طهران يناقض الإجراءات الحالية التي يتخذها الصندوق مع ايران».