لم يكن هجوم رجال السياسة على الإعلام في فرنسا بمثل هذا المقدار يوماً. فمنذ بدأ التداول المكثف للإعلام بوقائع الانتخابات الرئاسية الفرنسية، أي منذ أيلول (سبتمبر) الماضي، حصلت مواجهات بين الطرفين ووجه بعض السياسيين اتهامات للإعلام بالانحياز نحو تيار سياسي محدد. ومع أن زعيم «جبهة اليسار» جان لوك ميلانشون، يهاجم الإعلام والإعلاميين باستمرار، إلا أن الاتهامات بالانحياز تصدر أكثر من جانب اليمين، وبخاصة من الرئيس نيكولا ساركوزي ومن زعيمة «الجبهة الوطنية» مارين لوبن اللذين يشكوان صراحة وباستمرار من الإعلام الفرنسي المنحاز يساراً. وشهدت علاقات الرئيس ساركوزي مع الصحافيين تدهوراً مستمراً واتهامات متبادلة دامت طوال فترة حكمه وتضاعفت خلال الحملة الانتخابية. ولا يتحرج الصحافيون (العاملون في الصحافة المكتوبة والتلفزيون) من نعت الرئيس بأقسى العبارات، وبلغ التهجم درجة دفعت ساركوزي للإشارة إلى موقف الإعلام منه في إحدى خطبه. كما عبّرت أخيراً إعلامية معروفة في فرنسا عن استيائها من مواقف زملائها من ساركوزي. مديرة الأخبار السابقة في قناة «فرانس 2» والتي تحتل المنصب ذاته حالياً ولكن في إذاعة «أوروبا 1» آرليت شابو، انتقدت أسلوب تعامل الصحافيين مع الرئيس وميلهم «الزائد» إلى المرشح الاشتراكي فرنسوا هولاند، واعتبرت أن زملاءها يعتمدون على نتائج استطلاعات الرأي و«ينحازون» إلى المرشح الأقوى، وترى أن الصحافيين «يستبقون الحدث ويميلون للتحليق بجانب المنتصر المُعلَن»، والمنتصر هو حالياً هولاند وهم يلتفون حوله كجسد واحد وهذا أمر «بائس»، على حد تعبيرها. علاقات هولاند «المقدسة» مع الإعلام الذي يعرفه «جيداً بل جيداً جداً»، كما تعبر الإعلامية، ليست السبب الوحيد في انحياز بعض الإعلام «الجزئي» بالطبع (فثمة حد أدنى للموضوعية)، كما لا يأتي فقط من كون هولاند المرشح الأقوى حالياً، بل أيضاً لأن ثمة علاقة «وجدانية» تربط بين معظم الإعلاميين الفرنسيين وبين اليسار. ولا يفوت أحد «انحياز» أو «ميل» بعض المحطات التي تمتلكها الدولة مثل «فرانس 2» و«فرانس 3»، إلى المرشح الاشتراكي. ويبدو هذا الأمر لافتاً لمشاهد آتٍ من بلدان تربى فيها من صغره على احتكار السلطة المرضي للإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، وعلى تخصص هذا الإعلام الرسمي بتمجيد الحاكم والحاكم فقط. ولكن في فرنسا، ومع حكم اليمين، يمكن مدير محطة إذاعية للدولة أن يعلن (ما يجب ألا يعلن) صراحة، وقوفه مع المرشح الاشتراكي ويمكن نشرة أخبار محطات الدولة التلفزيونية مثل «فرانس 2» و «فرانس3» أن تستقطب أكثر من غيرها، المشاهدين الذين يصوتون لليسار وهذا ما أظهرته دراسة عن عادات متابعي النشرات الإخبارية الفرنسية نشرت في مجلة «ماريان» على مبدأ «قل لي من تنتخب أقل لك أي نشرة إخبارية تتابع!».