من منا لا يريد العدل؟ لا تستعجلوا الإجابة. فما دفعني لكتابة ما ورد أعلاه هو الخبر المنشور في صحيفة «الحياة» الأخير تحت عنوان عريض هو: «الأحساء: العثور على إناء فخاري يعود إلى ما قبل الإسلام «حيث عثر مواطن كريم على إناء فخاري يعود تاريخه إلى ما قبل الإسلام أثناء قيامه بحفر أساسات منزله ويواصل الخبر تفصيلاته بأن المواطن الكريم قام بتسليم هذا الإناء إلى هيئة السياحة والآثار حباً في وطنه، ثم يعلق مدير فرع الهيئة العامة للسياحة والآثار «إن ما قام به المواطن من تسليم الملقب ب«بوعبيدة» هذه القطعة الأثرية النادرة هي من ثمار حملة الهيئة لاستعادة الآثار الوطنية، بمعنى أن المواطن الكريم الذي كان بمقدوره الاحتفاظ بها وبيعها في مزاد عالمي بملايين الريالات لا فضل له إلا أنه قام مشكوراً بتسليم القطعة إلى مكانها الطبيعي، مع شكر باهت لا يسمن ولا يغني من جوع للمواطن الكريم الذي لم نرَ صورته ولا المكان الذي عثر فيه على القطعة. وقد يتبادر إليكم سؤال لحظي فيما لو عثر أحدكم على ركاز بالمعنى الذي يقول به الحنفية ويطلق على أعم من كون راكزه الخالق أو المخلوق، فيشمل على هذا المعادن والكنوز، منها ما عثر عليه المواطن الكريم «بوعبيدة» هل ستسلمونه لهيئة الآثار؟ هذا ليس تحريضاً على عصيان وطني، فوطننا يستحق منا كل تضحيات ولكن عندما يكون المسؤول هو الجاني الأول لثمرة هذا الاكتشاف، وهو متكئ مستريح في مكتبه، من دون أن يكلف نفسه منح هذا المواطن الكريم ما يليق به من جائزة مالية ولتكن بمقدار الخُمُس الذي نص عليه الفقهاء ملحق بشكر وتكريم يليقان به، فماذا عساكم ستجيبون؟ قد تجتابكم في البداية نوازع ترجح كفة الوطن، وقد تختلسكم أهواء مدهونة برغبات تحاول أن تثني عزمكم عن الاتجاه صوب الوطن، مع عقد بعض المفارقات أو المقارنات التي سوف تحدث في كلا الحالين، وقد يأتي السؤال الكبير جداً ماذا سيستفيد الوطن من إناء فخاري عتيق يُحفظ في متحف للآثار لا يطلع عليه أحد، ولا يعرف عنه سوى المختصين في المتحف مقابل حياة ميسورة يضمنها أمثال هذا الإناء الفخاري؟ ثم إن الوطن العزيز مليء بهذه الكنوز صُرف على التنقيب في قرية الفاو الملايين وهي تستحق، ثم ماذا بعد؟ أين أمثال هذا المشروع؟ لم لا تستخدم الوسائل الحديثة والتقنيات عالية الدقة للبحث عنها؟ هل يكفي إعلان عابر ومطالبة تنشر في الصحف لمعرفة مكامنها؟ لم لا ترصد موازنة تدفع مقابل كل قطعة أثرية يعثر عليها مواطن ما دمنا بدأنا نتحرك في هذا الاتجاه؟ أعلم أن ثمة حساسية من نوع ما وأبرزها الحساسية التاريخية التي تكتنف هذا المشروع الضخم، فالحضارات التي سادت ثم بادت على أرضها متعددة ومتنوعة، ولكن هذا لا يعطي مبررات كافية لتجريف هذه الأراضي التي قامت عليها كالمنطقة التي يقطنها «بوعبيدة»، ما يعني أن هذه الأرض مكتنزة بالآثار على مختلف عصورها وأنواعها وأشكالها، لم نقرأ مع هذا الخبر الذي مر سريعاً ومتكلفاً عن استنفار هيئة السياحة والآثار لتطويق هذه المنطقة والتنقيب فيها، صحيح نحن لا نعلم حتى الآن عن مشاريعها غير المعلنة، كما لا نعلم حقيقة عن مدى نجاح الهيئة في تنفيذ مشاريعها القائمة عدا ما نقرأه في الصحف. أنا كمواطن أرى من واقع ملموس أن الاهتمام بالسياحة كالاهتمام بالآثار تحتلان مرتبة متدنية قليلاً عن المجالات الأخرى المشهودة في بلادنا، ولنلتمس للهيئة العذر في أنها في مشوارها القصير تحتاج إلى وقت أطول لتقديم كل ما لديها، ولنبق مع الآثار العظيمة المشهودة والمغمورة تحت التراب، وأيضاً المنهوبة في أوقات مبكرة تلك التي غزاها الرحالة في وقت مبكر متكبدين مشقة البحث قاطعين فيافي الصحراء في سبيل تدوين كل ما تقع عليه أعينهم من حجارة وقلاع وحصون، حتى وقعت تحت أيديهم مسلة تيماء التي اكتشفها هوبر في أواخر القرن ال19 وحملها معه لتحط أخيراً بسلام في متحف اللوفر بباريس، وقد تردد على مسامعنا كثيراً تصريحات من قبيل عزم هيئة السياحة والآثار إعادة هذه المسلة مع ما تنشره الصحف من أخبار عن استعادة مجموعة من آثارنا المنهوبة تقدر ب 14 ألف قطعة أثرية وهذا جهد يشكرون عليه، أما السؤال حول: متى يتم الإفراج عن مسلة تيماء وغيرها لتعود إلى مكانها الطبيعي، فيبدو لي أن هذا مرهون بإيماننا أولاً بأهميتها ثم إصرارنا على عودتها مع قدرتنا على الحفاظ عليها واستثمارها بما يليق بها ولكن قبلاً علينا إيجاد ثقافة مجتمعية لا تنظر إليها بعين الإثم والمحرم. أخيراً: أتوقف عند المتروكات أو المهملات في باطن الأرض ليأتي «بوعبيدة» وغيره من المواطنين الصالحين الذين يقدمون الوطن على رغائبهم الشخصية وينتشلونها صدفة. والسؤال الأخير: ألا يجدر بنا من خلال قانون الآثار الجديد المتضمن عقوبات مشددة تجرم الاتجار بالآثار بالطرق غير المشروعة أن نبلغ عن التجار المتسربين إلينا خلسة بالمخطوطات والآثار المهربة من بعض الدول المجاورة كالعراق وسورية واليمن، وأن نكشف النقاب عن المؤسسات التي ابتاعت هذه الآثار عن طريق أشخاص ابتاعوها بزهيد الأموال وباعوها عليها بالملايين، لمعاقبتهم وإرجاعها إلى مواطنها الأصلية؟ أليس هذا عدلاً؟ * كاتب وروائي سعودي. [email protected] almoziani@