لم يمضِ اتهام الدكتور عبدالله الرشيد للنقاد المصريين حول الشعر السعودي بالتكسب والمجاملة بسلام، إذ أثار ولا يزال يثير، ردود أفعال متباينة، بدورها أعادت هذه الردود قضية تلقي الشعر والأدب السعودي بشكل عام من الآخر العربي وكيف يتم هذا التلقي، كاشفة عن بعض دوافعه. وإذا كان بعض النقاد المصريين المقيمين في السعودية، يحاولون في استطلاع ل«الحياة» توضيح من يفترض أن يكون كلام الرشيد يعنيهم أو يمسهم، ويعتبرون أن النقاد السعوديين غير بريئين من التهمة نفسها، فإن كتاباً سعوديين يحملون النقد السعودي مسؤولية ما يحصل. وتساءل الناقد الدكتور محي الدين محسب عما إذا كانت مثل هذه الآراء التي أطلقها الرشيد، «تستحق الرد عليها، وهل الرد مفيد لأي جهة، وهل تنم عن عدم وعي حيث لا يمكن أن أصفها بسوء نية بأي وصف؟». وأوضح أن الناقد المصري «لا ينتمي إلى شعب الله المختار أو يمكن تنزيهه بأي شكل، فهناك الناقد الجيد والحيادي والذي يقوم بدوره ويؤدي رسالته كما يجب، وهناك في المقابل الناقد المجامل، وينطبق الأمر أيضاً على الناقد السعودي أو غيره من الجنسيات الأخرى». وقال إنه ينبغي «علينا كمثقفين أن نبتعد عن النظرة «الشوفينية والتنزيه الشعبوي» وأن نبتعد عن المراهقات الثقافية ونرتقي أكثر باستخدامنا للأسلوب العلمي في طرح آرائنا وأفكارنا، إذ لا يجب أن تحضر هذه الآراء في مراحل من أزمات الشعوب ، فالنقد عملية علمية لا جنسية لها ومجرد الربط بين الأمرين سيولد أموراً خطيرة وليست لائقة دائماً، وإذا حضر رأي المثقف والأكاديمي بهذا الشكل، فماذا يمكن أن نترك لرجل الشارع البسيط». وأشار محي الدين محسب إلى ضرورة التخلص من التعميم «وأن نربط هذه الظواهر بالأدلة العلمية وأن نذكر أن نقد فلان رديء لأنه قال كذا وكذا، فالبطولة في حياتنا الثقافية ينبغي أن تكون للاستدلال العلمي والحجة ولا نطلق أحكاماً عامة، وأن يبتعد المثقفون عن هذه الأحكام التي تسيء إلى الطرفين، إلا إذا كان المتكسب ملوماً فمن يكسبه هو ملوم أيضاً. وينبغي أن يكون رائدنا هو العلم والمعرفة، وأن نسهم بدورنا في ألا نصنع جراحاً ثقافية ينبغي أن تندمل». فيما نفى الناقد عبدالله السمطي أن يكون ما كتبه النقاد المصريون الوافدون إلى السعودية للعمل بجامعاتها وصحفها «يندرج تحت باب المجاملة أو المتاجرة، لكنه عبارة عن اجتهادات نقدية تحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون هذه الكتابات مدفوعة الأجر مسبقاً، أو أن تكون مجرد مجاملة». وقال: إن أي أديب أو ناقد يحترم نفسه، ويلتزم بالكلمة المسؤولة لا يمكن أن يقع تحت تأثير المادة والكتابة بمقابل عن هذا الأديب أو ذاك، فالأديب الرديء لا يمكن أن يصعد به النقد إلى الواجهة، كما أن الأديب الموهوب لا يمكن أن يحط النقد من شأن إبداعاته... وما طرحه الدكتور عبدالله الرشيد خلال تعقيبه على إحدى جلسات ملتقى النقد الأدبي هو كلام غير مسؤول وغير موضوعي بالمرة. وأسأل هنا الرشيد وهو أكاديمي وشاعر؛ ماذا قدمه هو عن تجربة الأدب السعودي من قراءات ودراسات؟ وهل دراساته لها تأثير يذكر في مسيرة الإبداع السعودي؟ لقد قدم الرشيد كتيباً صغيراً عن العنوان في الشعر السعودي وهو كتيب لا يسمن ولا يغني من جوع في مجال دراسات الأدب السعودي، بل أين ما قدمه الأكاديميون السعوديون أنفسهم مثل: عبدالله المعيقل أو صالح الغامدي أو محمد الهدلق أو عبدالرحمن السماعيل أو سعاد المانع أو مسعد العطوي أو معجب الزهراني الذي لم يصدر كتاباً نقدياً واحداً حتى الآن، وغيرهم سوى رسائلهم الجامعية؟ لقد قدموا إنتاجاً ضئيلاً جداً لا يتناسب وحضورهم الأكاديمي، بل إن نقاداً بارزين مثل عبدالله الغذامي أو سعد البازعي أو سعيد السريحي لم يقدموا إنتاجاً نقدياً كبيراً لدراسة الأدب السعودي واكتفوا بالكتابة عن مشاريعهم الثقافية، في مقابل ما يكتبه باحثون مثل علي الشدوي ومحمد العباس ومعجب العدواني من قراءات للإبداع السعودي؟ وهل صدرت كتب تعالج إبداعات فوزية أبو خالد أو علي الدميني أو محمد الثبيتي مثلا؟ ثم هل يستطيع الدكتور الرشيد أن يدلني على ناقد سعودي لم يكتب بلا مقابل؟ ولم يكتب مجاملة؟ وهل صدرت موسوعة مثل: موسوعة الأدب السعودي الحديث مجاناً؟». وأشار السمطي إلى أن الجامعات السعودية استقدمت - على الغالب - أضعف النقاد في مصر للتدريس بجامعاتها، فمعظمهم مثل أحمد زلط وطلعت صبح السيد وصابر عبدالدايم وحلمي القاعود وأحمد السعدني وعبدالعزيز شرف وطبانة وخفاجي لا حضور لهم في المشهد الأدبي في مصر، ومعظمهم لا يستطيع قراءة قصيدة حديثة أو رواية جديدة، باستثناء بعض النقاد مثل أحمد كمال زكي أو لطفي عبدالبديع أو فاطمة موسى، وعلينا أن نفرق بين الناقد وبين مدرس الأدب». مشاكل نقد الأدب السعودي من جهة أخرى، أكد الشاعر والناقد أحمد الواصل أن أكثر من مشكلة يعانيها نقد الأدب السعودي، سواء كان أدبياً أو ثقافياً، على مستوى الإجراء والهدف، «ما دام لا يزال النقد معتقلاً في أقسام اللغة العربية وآدابها في الجامعات. إن النقد الأكاديمي (المتصل بالنظرية البلاغية) هو نوع من أنواع النقد، وهذه الملتقيات النقدية برعاية الأكاديميين، منحصرة ضمن مجال فهمهم وتدريسهم وعملهم وإنتاجهم بينما يغيب من النقد نوع آخر (النقد الأدبي المتصل بالنظرية الأدبية) رغم وجود تراث نقدي دال عليه بعد أقل من عقد زمني سوف يمر عليه قرن كامل، ولا نعرف ما يعد للاحتفاء والتذكير ومواصلة جهوده وتطويره نحو مدى أبعد. فإنه يمكن أن نضع اليد على ثلاث مشكلات مستمرة وستبقى ما دام لا يزال الإصرار على العناية والحرص في تلك الملتقيات والمؤتمرات التي تقام ضمن الإطار الأكاديمي أو المدرسي في نوع واحد حيث لا تقام ملتقيات ومؤتمرات موازية تمنح الفرصة للنوع الآخر من أخذ مكانه وتفاعله في المشهد الثقافي. وأجمل تلك المشاكل التي يقاسيها النقد بحصره في نوع واحد: تجاهل وتهميش الإرث النقدي التأسيسي وعقم الأبحاث الأكاديمية وفقر المجال الثقافي والسطوة الإعلامية». ويتطرق الواصل إلى العائدين من بعثاتهم من الأكاديميين، «الذين كانوا عالة على الجامعات الأوروبية والأميركية أي الأكاديمية الأنجلوساكسونية والفرنكوفونية، فانشغلت بموضات النظريات النقدية الممتدة من عباءة النظرية البلاغية فصار التسابق على استخدام المساطر الجاهزة لقياس أطوال وأعراض الأدب العربي لا السعودي، وهذا الأمر مندرج في تورط تلك الأبحاث الأكاديمية - للأسف - في السعي نحو الدرجات الوظيفية وما زال مستمراً، إضافة إلى انعدام مصداقية هؤلاء النقاد الأكاديميين في ترويجهم لأدباء (من شعراء وروائيين) بعينهم ومتابعتهم كظلهم، وتزوير الحقائق الأدبية التاريخية لأسباب غير موضوعية». وأوضح أن أزمة النقد في حصره ضمن نوع واحد، «هو كما قلت، الآفة الكبرى، والقبض عليه ضمن إطار وتفكير المجال الأكاديمي، وفيه أسماء نحترمها ونجلها، إلا أنها تحرم النقد من طاقاتها ومدياته، التي من الممكن أن يصل إليها دون التورط في تحجيمه وتحديد مكانه وزمانه في ملتقى أو مؤتمر أو قسم جامعي يلده ميتاً!» ... حين يتحول النقد إلى وصمة عار