تضاءل دخان النارجيلة (الشيشة) في العديد من المقاهي المغربية أخيراً، وتحولت أخباراً على الألسن. نار ودخان، كرّ وفرّ بين السلطات وأصحاب «مقاهي الشيشة»، فتشرّبت الأجواء، بدل الرائحة المعطّرة المدوِّخة، توتراً واحتقاناً. أخبار «الشيشة» في كل مكان، وعلى كل شفة. مداهمات واعتقالات يومية، كأنها الحرب. اللهجة الإعلامية المواكبة حربية أيضاً، فتُتابع يوميات هذا الملف بعبارات من نوع «إعلان حرب» و»حصاد الحرب» و»حرب مفتوحة» و»مفاوضات» و»هدنة موقتة»، إضافة إلى أفعال: تندلع، وتشنّ، وتنشب، وتداهم... وتُغير! تلك المقاهي كثيرة بالفعل. تحتضن العاصمة الاقتصادية وكبرى مدن المغرب، الدارالبيضاء، مئات المقاهي التي تقدّم «الشيشة»، ما جعلها مسرحاً لهذه الحرب منذ بداية الشهر. وسجل حصّاد «الغارات» الأمنية، اعتقال مئات الأشخاص بين مسيّرين وملاكين وحتى رواد للمقاهي، بتهمة ممارسة نشاط غير مرخّص وحيازة بضائع من دون سند قانوني واستخدام مواد مهربة، وهؤلاء قد يكونون أيضاً زبائن مشتبهاً فيهم، أو ممن يجري البحث عنهم لورود أسمائهم في قضايا فساد وسرقة ومخدرات، وقاصرين وقاصرات. أقفل العديد من المقاهي، وصودرت مئات النارجيلات، وعشرات الكيلوغرامات من المعسل، منه المهرب ومنه منتهي الصلاحية أو مخلوط بكحول ومخدرات. الجو محتقن في قطاع المقاهي، والمتضررون يهددون بالإضراب ويعتبرون الحملة تعسفاً وتهديداً للأرزاق، ويطالبون بالإفراج عن المعتقلين، في حين توجّه إليهم السلطات وبعض فئات المجتمع تهمة استقدام «عادة دخيلة تشجع على الفساد وانحراف القاصرين»، لا سيما في الأحياء السكنية وقرب المؤسسات التعليمية. ويرى هؤلاء أن تلك المقاهي مسؤولة عن إثارة الفوضى في الليل واستقطاب المنحرفين ومروّجي المخدرات. ويعتبر المغاربة حديثي العهد ب«الشيشة». ربما اخترقت عوالمهم أولاً بمساعدة الدراما المصرية، ومع موجة الدراما المشرقية والخليجية صاروا يضعون النارجيلة في البيوت على سبيل الزينة. وبعدما كانت لوحات تظهر مدخني ومدخنات «الشيشة»، بأزياء فارسية وتركية زاهية، في جلسات مترفة ملهبة للخيال، يتذوقها محبّو الفنّ الرفيع وأعمال المستشرقين، أصبحت هذه اللوحات مألوفة على جدران البيوت البسيطة والمتوسطة بأسعار في متناول الجميع. وشجعت السياحة، والاستثمارات العربية، على استهلاك النارجيلة، في البداية في المواسم الرمضانية ثم على مدار السنة، كما تنبّه تجار ومهاجرون مغاربة للأرباح الناتجة عن انتشار «الوافد الجديد» في المقاهي، ترفده قاعات التسلية والألعاب. وينظر بعض الأوساط إلى الحملة ضد الشيشة على أنها «أخلاقية»، تحركها مرجعية الحزب الحاكم (إسلامي) الذي وصل إلى السلطة للمرة الأولى. بيد أن حملات «الشيشة» قائمة منذ سنوات، وإن ليس بالقوة ذاتها، وذلك ضمن محاولة نشر الوعي بأضرارها على الصحة وارتباط الأماكن التي تقدّمها بتصرّفات غير قانونية، ناهيك بأن الكثير من المقاهي غير مرخص له لتقديم «الشيشة». وهناك من يلوم المسؤولين على عدم تفعيل قانون 1991، القاضي بمنع التدخين والذي بدأ تطبيقه العام 1995، إذ لا ينص على عقوبات زجرية ولا يحدّد بوضوح الأماكن المسموح فيها بالتدخين. وهذا الفراغ القانوني يدفع بالسلطات المحلية في مدن عدة إلى إقرار إجراءات عملية لوقف نشاط مقاهي «الشيشة». غير أن سوق «الشيشة» يفرض ذاته اليوم بقوة في المغرب حيث العرض بالكاد يكفي الطلب، فموضة تدخين الشيشة، بنكهاتها واستنفادها للوقت وارتباطها في أذهان المدخنين بالتسلية وتنفيس التوتر، صارت مرغوبة أكثر فأكثر. وهذا ما يغري أصحاب المقاهي بإدراجها في قائمة الخدمات، على رغم شكاوى السكان المحيطين بالمقاهي والخوف من حملات الدهم.