تصاعد التوتر بين الخرطوموجوبا، ورفض الجيش السوداني اتهامه بقصف مناطق في ولاية الوحدة الغنية بالنفط في دولة جنوب السودان، في وقت يتجه الطرفان إلى استخدام ملف الأسرى لتحقيق مكاسب سياسية. وأعلن رئيس الجنوب سلفاكير ميارديت من بكين، أمس، أن دولة السودان «أعلنت الحرب» على بلاده. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن سلفاكير قوله في بداية لقاء مع نظيره الصيني هو جينتاو إن «زيارتي تأتي في وقت حرج بالنسبة إلى جمهورية جنوب السودان لأن جارنا في الخرطوم أعلن الحرب» على الجنوب. وأضافت الوكالة أن زيارة سلفاكير للصين قد تنتج منها انعكاسات إيجابية لما لبكين من استثمارات في المنطقة تدفعها إلى السعي لتهدئة الأجواء بين الطرفين. وبكين هي المستورد الأول للنفط السوداني الذي يشكل رهاناً كبيراً في الصراع المسلح بين الخرطوموجوبا. وتم استقبال سلفاكير في القصر الكبير لمجلس الشعب بعد ساعات من تدشينه أول سفارة لجنوب السودان في بكين. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية ليو ويمين الثلثاء: «نأمل بأن يتوصل البلدان إلى حل نزاعهما بالحوار والمشاورات، على أن يمتنعا عن القيام بأعمال من شأنها تأجيج التوتر». وكان ويمين قال أول من أمس إن «الشركات النفطية الصينية وشريكاتها تقوم بمشاريع كبيرة في السودان وجنوب السودان. ونعتبر أن من الضروري تأمين حماية فعالة لحقوقها ومصالحها المشروعة». وكرر القول الثلثاء إن «النفط على الصعيد الاقتصادي يمثل خشبة الخلاص المشتركة للسودان وجنوب السودان». وفي بانيتو عاصمة ولاية الوحدة بجنوب السودان، أعلن مساعد رئيس أجهزة الاستخبارات العسكرية في دولة الجنوب ماك بول انه تلقى معلومات تفيد بأن الجيش السوداني يستعد لشن هجوم على عاصمة الولاية بعدما استعاد في نهاية الأسبوع الفائت السيطرة على هجليج. واتهمت حكومة الجنوب أمس السودان بشن غارات جوية جديدة في عمق ولاية الوحدة المنتجة للنفط. وقال الناطق باسم الجيش الجنوبي فيليب أغوير للصحافيين في جوبا إن طائرة انتونوف روسية الصنع قطعت نحو 40 كيلومتراً داخل أجواء أراضي الجنوب وقصفت مناطق تشوين وباناكواش ورولياق. وأضاف: «ليس لدينا وقف إطلاق نار مع السودان .. الخرطوم تعلن الحرب يوماً بعد يوم». وقال حاكم ولاية الوحدة تعبان دينغ للصحافيين في بانتيو عاصمة ولايته أمس إن الطيران السوداني قصف عدداً من المواقع النفطية القريبة من الحدود، وإن القصف شمل بلدتي بانكواش ولالوب ومركز تشوين الحدودي، واعتبر القصف هو الأكثر عمقاً داخل الأراضي الجنوبية على بعد حوالى 25 كلم من خط الجبهة، مشيراً إلى أن جرحى من الجنود والمزارعين تم اجلاؤهم إلى بانتيو. وأكد دينغ أنهم لن يبقوا تحت رحمة الطيران السوداني، وهدد برد قاس على الخرطوم، محذّراً أنهم قادرون على الدفاع عن أنفسهم والعودة إلى منطقة هجليج النفطية. لكن الناطق باسم الجيش السوداني العقيد الصوارمي خالد سعد نفى في شدة أن تكون القوات الجوية قصفت أي مكان داخل جنوب السودان. كما نفى وزير الإعلام السوداني عبدالله مسار استهداف القوات السودانية أي أراض جنوبية، وقال للصحافيين أمس إن القوات الجنوبية التي هُزمت في هجليج وفر ما تبقى منها إلى بانتيو عاصمة ولاية الوحدة غالبيتها من قبيلة الدينكا التي ينحدر منها رئيس دولة الجنوب سلفاكير ميارديت، واتهمها بأنها هي من أشعل حرائق في بانتيو ولا علاقة للطيران السوداني بما يجري هناك. وقالت الخارجية السودانية في بيان: «الحق الشرعي للسودان وللقوات المسلحة في الدفاع عن النفس وفي تعقّب المعتدين أينما كانوا». واتهمت الجنوب بالاستمرار في دعم المتمردين وزعزعة الاستقرار في الشمال. ورأت أن «مناشدات حكومة السودان ومحاولات المجتمع الدولي المتكررة لإثناء دولة جنوب السودان عن وقف سلوكها العدواني باءت جميعها بالفشل بسبب الإصرار الأعمى على زعزعة استقرار السودان وأمنه». وقال مسؤول في القوة السودانية التي استعادت منطقة هجليج إنهم أسروا نحو مئة من العسكريين الجنوبيين منهم ضباط كبار وعناصر من متمردي «حركة العدل والمساواة»، وكشف أن من بين الأسرى جنوداً أوغنديين، مؤكداً أنهم يعاملون معاملة الأسرى وفق معاهدة جنيف. وقال الناطق باسم الخارجية السودانية السفير العبيد أحمد مروّح إن الخرطوم طلبت رسمياً من اللجنة الدولية للهلال الأحمر التدخل لدى دولة جنوب السودان في شأن معاملة الأسرى السودانيين لدى الجنوب خلال احتلال هجليج والعدوان على بحيرة الأبيض في ولاية جنوب كردفان، مبيّناً أنّ هناك شواهد لدى الخرطوم تشير إلى أنّ الأسرى السودانيين ربما تعرضوا للتصفية، مؤكداً أن السودان سيلتزم بما يقتضيه القانون الدولي في شأن معاملة أسرى الجنوب. وكشف عن تحركات تقودها القاهرة بين الخرطوموجوبا في شأن الأسرى الذين اختطفوا في السابق وأسروا خلال الاعتداء على هجليج، وقال إن وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو أجرى محادثتين مع نظيريه في السودان علي كرتي وجنوب السودان نيال دينغ نيال في إطار الجهود المصرية لنزع فتيل الأزمة بين البلدين بعد المواجهات العسكرية التي نشبت بينهما في منطقة هجليج. من جهة أخرى، قال المسؤول السياسي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم حسبو محمد عبدالرحمن، إن البرلمان سيناقش قريباً قانوناً جديداً اسمه «قانون رد العدوان على السودان». وقال عبدالرحمن في تصريحات صحافية إن القانون يتيح لحكومته مرجعية لمعاقبة العملاء الذين يتعاملون مع الأجانب ويمدونهم بالمال أو المعلومات أو الدعم اللوجستي، سواء كانت شركات أو منظمات أو دولاً. وأضاف أن وزارة العدل ستتخذ بموجب القانون إجراءات للمطالبة بتعويضات تجاه ما حدث في هجليج. وطالب عبدالرحمن زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض حسن الترابي بمراجعة موقفه تجاه احتلال هجليج، واعتبر موقف الترابي هزة لحزب مرجعيته إسلامية، كونه يساوي بين هجليج السودانية ومنطقة أبيي المتنازع عليها مع دول الجنوب. غير أن رئيس هيئة التحالف المعارض فاروق أبو عيسى رفض اتهامهم من السلطة بالعمالة والخيانة، واعتبر إعلان الحكومة تشكيل ست محاكم للإرهاب نذير شؤم «إذا ما ربط بالحديث عن الطابور الخامس والعملاء». وزاد: «نحن لسنا بعملاء وإنما وطنيون وأصحاب لهذه البلد».