اندلعت في السودان منذ بداية الشهر الجاري، حرب بين جمهورية السودان ودولة جنوب السودان محورها احتلال الحقول النفطية للبلد الآخر وتدميرها. ولجأ الطرفان الى هذه الحرب المدمرة على رغم وساطات منظمة الوحدة الافريقية والاممالمتحدة لإيجاد حلول سلمية. وقد يفرض مجلس الامن عقوبات اقتصادية على البلدين. وما هذه المأساة الجديدة الا نتيجة حتمية لعدم التمكن من التوصل الى حلول لتطوير الحقول النفطية الحدودية او الحقول المشتركة قبل رسم نهائي للحدود. وتشير التطورات الى احتمال توسع المعارك الى مناطق أكبر من حقول النفط، وامتدادها الى مناطق اخرى في البلدين. والأخطر من ذلك، ان الرئيس السوداني عمر البشير أخذ يتوعد بإنهاء الحكم في الجنوب، ما ينذر بتصاعد المعارك. تعددت الخلافات النفطية منذ اليوم الاول لانفصال جنوب السودان. وشمل الملف النفطي رسوم الترانزيت التي تحصلها الخرطوم من جوبا لقاء تصدير الاخيرة نفطها عبر جمهورية السودان. وتميزت مطالب الدولتين بطرح شروط تعجيزية، فقد طلبت الخرطوم رسماً قيمته نحو 32 دولاراً للبرميل، ثم رفعته الى 36 دولاراً. وعرضت جوبا ان تدفع رسماً قيمته 70 سنتاً لكل برميل. ومن المعروف في الصناعة النفطية العالمية، ان رسوم الترانزيت تتراوح عادة ما بين الدولار أو الدولارين للبرميل. ونتيجة لمطالب البلدين لم يتم التوصل الى حل وسط في مؤتمر أديس بابا في اواخر كانون الثاني (يناير) الماضي، والذي رعته منظمة الوحدة الافريقية. وتصاعدت الخلافات النفطية منذ ذلك الحين، بحيث أوقفت جوبا الانتاج وتفاوضت مع كينيا لتشييد خط أنابيب بديل للتصدير عبر المحيط الهندي بدلاً من خط جمهورية السودان، كما اتهمت الخرطوم بأنها «تسرق» كميات من النفط، بينما اتهمت الخرطومجوبا بعدم دفع المستحقات المالية المترتبة عليها، واستولت على كميات من النفط في الانابيب والخزانات لتعويض المتأخرات المالية. تصاعد الخلاف النفطي ما بين البلدين هذا الشهر ليشمل احتلال حقول وتدمير منشآت نفطية، ما ينذر بتوسيع رقعة الحرب وتصعيدها، في حال عدم اخمادها في المهد. وبدأت الحرب الحالية في الأول من الجاري حيث احتلت قوات الجنوب في العاشر منه، للمرة الثانية، حقل «هجليج» النفطي. وأعلن الرئيس الجنوبي سلفاكير بعد يومين، ان جيشه لن ينسحب من «هجليج» هذه المرة قائلاً: في المرة الماضية التي احتل فيها جيشنا هجليج، أمرنا بالانسحاب لأن هذه منطقة متنازع عليها. ولا نريد الاستيلاء عليها بالقوة. لكن لن أصدر أمراً بالانسحاب هذه المرة. ويذكر أن المحكمة الدولية المختصة كانت حكمت بأن حقول النفط في «هجليج» تقع ضمن أراضي جمهورية السودان، لكن الجنوب اعترض على الحكم وطالب باستئنافه، ويحاول الآن احتلاله بالقوة. وقد طلبت منظمة الوحدة الافريقية انسحاب القوات الجنوبية «من دون شروط» من حقل «هجليج». لكن الرئيس سلفاكير رفض هذا الطلب، كما رفض طلباً مماثلاً من الامين العام للامم المتحدة بان كي-مون، قائلاً انه سيأمر قواته باحتلال الولاية، اذا لم تطلب الاممالمتحدة من الخرطوم الانسحاب اولاً من «ايبي» التي تبلغ طاقتها الانتاجية نحو 6000 برميل يومياً من النفط الخام. ويذكر ان الطاقة الانتاجية لحقل «هجليج» تبلغ نحو 60000 برميل يومياً، او نحو نصف الطاقة الانتاجية لجمهورية السودان من النفط الخام التي تبلغ نحو 120 الف برميل يومياً. وتبلغ الطاقة الانتاجية لدولة جنوب السودان نحو 300000 برميل يومياً. ومع تصاعد التهديدات العسكرية، اجتمع البرلمان السوداني وأعلن دولة الجنوب «عدواً». ووفقاً لذلك، صرح رئيس البرلمان احمد ابراهيم الطاهر قائلاً: «نعلن اننا في صدام مع الحركة الشعبية (الحزب الحاكم في جنوب السودان) الى أن ننهي حكمها للجنوب». وأعلن الجنوب انه اكتشف خط انابيب غير شرعي من حقل «هجليج» الى حقول نفطية تسيطر عليها الخرطوم، مدعياً ان هذه وسيلة اخرى ارتكبتها الخرطوم لكي «تسرق» نفط الجنوب. واستنفر البلدان قواتهما المسلحة، ما يعني التهيئة لمعركة طويلة. تدل التجارب التاريخية في الشرق الأوسط وعالمياً، إلى ان عدم الاتفاق المسبق على الحدود ومن ثم اكتشاف حقول نفطية مشتركة او حدودية غالباً ما يؤدي الى نشوب حروب، وتدمير هذه الحقول، بخاصة ما بين دول متصارعة وحكومات تلجأ الى حروب كلما استعصى عليها الوصول الى حلول ديبلوماسية. وهناك مثلاً عشرات الحقول الحدودية في مختلف انحاء العالم، خصوصاً في بحر الشمال، تم الاتفاق الديبلوماسي بين الدول المعنية (بريطانيا والنروج) على تطويرها بعيد الاكتشاف وقبل الانتاج وفق الأعراف والقوانين الدولية المتبعة. ومعروف ايضاً ان الحروب لا تبقى محصورة بهدف واحد، بل تتوسع اهدافها تدريجاً مع اشتداد الخلافات والمعارك. وهذا ما هو متوقع من معارك السودان النفطية. وفي هذه الحال، ممكن ان تكون لهذه الحرب انعكاسات سلبية على مصر، بخاصة في سيطرة جوبا على مياه النيل الازرق، ومن المحتمل ان تنضم جوبا تدريجاً الى محور منابع دول نهر النيل، وتدعم مطالبها في شأن اعادة توزيع المياه لمصلحة هذا المحور وضد مصالح السودان ومصر. ويرجح امتداد رقعة الحرب خارج الحقول النفطية الى اراضٍ اخرى في البلدين، وبالفعل بدأ التوسع التدريجي لنطاق المعارك. والأخطر من ذلك، ليس مستبعداً ان تدخل اسرائيل على الخط. وبالفعل، هناك محادثات جارية بينها وبين الاممالمتحدة لمشاركة مجموعة من ضباط الشرطة الاسرائيليين في قوات الاممالمتحدة في دولة الجنوب. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية