طلبت «أم عمر» الهاتف الجوال من صديقتها «أم يزيد»، وقالت إنها تريد الاتصال بزوجها لأمر ضروري، وفعلاً فعلت ذلك، لكنها استمرت في مواصلة المكالمات مع عدد من الصديقات، ومعظم تلك المكالمات مجرد «سواليف» فارغة ورسائل هاتفية مكتوبة، كلها نكت وطرائف بهدف إضحاك زميلاتها، كل هذا يحصل على مسمع ومرأى أم يزيد صاحبة الجوال، ولكنها لم تستطع أن تطلب هاتفها، على رغم امتعاضها من الداخل، سبحان الله! يمكن أن يحدث مثل ذلك، نعم إنها علل الشخصية، لنتأمل أيضاً ذلك الموظف في قطاع حكومي، يتعدى الصلاحيات المخولة له نظاماً، فيتفنن في القسوة والغلظة، ويستمتع بإهانة الناس قولاً وفعلاً، ويتستر بالصلاحيات المخولة له، ويسيء إلى مهنته، سبحان الله! «ما أكثر العِللا»، فلكلٍ علة...! والواقع يشهد! وصدق أبو العتاهية حين قال: أرى المقادير تعملُ العملا والمرءُ ما عاش آملٌ أملا كُلٌّ لهُ عِلةٌ يفُوهُ بها سبحان ربي ما أكثر العِللا من عرف الناس في تصرفهم لم يتتبع من صاحبٍ زللا إن أنت كافيت من أساء فقد صرت إلى مثل سوء ما فعلا إن معالي الأمورِ تُمسي لمن يصبرُ عند المكروهِ إن نزلا ذو الحلمِ في جُنةٍ ترُد سهام الجهل عنهُ إن جاهلٌ جهِلا فإن أردت تهذيب نفسك فيُمكنك مخالطة الناس، فما كرهت منهم من أخلاق فابتعد عنه فإنهم يكرهون منك ما تكره منهم، ولا تكتفِ بنقد أخلاق الآخرين وتنسَ نفسك، بل اشتغل بنقد نفسك أولاً، ثم اشتغل بإصلاح الآخرين، فمُخالطة الناس والتعامل معهم تكشف لك نفسك وعللها، والطبائع البشرية لتنشأ نشأة أخلاقية عالية تحتاج إلى رعاية، كالشجرة إذا تركت وشأنها نمت نمواً عشوائياً فوضوياً، أما إذا امتدت إليها يد الرعاية بالسقي المستمر والتهذيب تنمو نمواً آخر، وكذلك الطبائع البشرية تحتاج للتهذيب وعرضها على القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، والأخ الناصح الصادق تلك المرآة الإيمانية المفقودة، فقد قيل: استبقاك من عاتبك، وزهد فيك من استهان بسيئاتك! وأعجبني كثيراً ذلك التساؤل للدكتور عبدالله الرحيلي، لماذا نخطئ؟! يخطئ الكبير لنسيانه أنه كبير، ويخطئ الأستاذ لنسيانه أنه أستاذ، ويخطئ الأب لنسيانه أنه أب، وهكذا بقية أفراد المجتمع كلهم! سبحان ربي ما أكثر العِللا! وتجتمع الأخلاق الحسنة في «الصبر والعفة والعدل والشجاعة»، وتتفرع منها بقية الأخلاق الحسنة، أما الأخلاق السيئة فتجتمع في «الجهل والشهوة والظلم والغضب»، وتتفرع منها بقية الأخلاق السيئة، ومنطلق الأخلاق هو القلب، فبصلاحه تصلح الجوارح، وبفساده تفسد، ورحم الله من قال: لا تكن لنعم الله على عباده مراقباً، وإنما كن لنفسك على نعم الله محاسباً، وكن لإخوانك محباً لا حاسداً ولا حاقداً، وكن لنعم الله عليك شاكراً لا كافراً! يقول صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم»... الاستمرار على حسن الخلق، لكسب رضا الله ومحبته والقرب من الحبيب «صلى الله عليه وسلم» يوم القيامة. [email protected]