بغداد - أ ف ب - تعمل السلطات العراقية، بمساعدة فرنسية، على إعادة الحياة إلى «جيمنازيوم بغداد»، الصرح المنسي الذي صممه المعماري الفرنسي السويسري الأصل الشهير لوكوربوزييه وشيّد إبان حكم صدام حسين، في شرق العاصمة العراقية. ويمثل مبنى الجمينازيوم، الذي طلبت السلطات العراقية بناءه عام 1957، في فترة انفتاح البلاد الغنية بالنفط على العالم، جزءاً صغيراً من قرية أولمبية لم تكتمل. وأوكل التصميم إلى المعماري الفرنسي لوكوربوزييه، الذي كان حينها في ذروة شهرته. إلا أن الثورة العراقية التي اندلعت عام 1958، أجّلت تشييد المبنى حتى عام 1982، غداة وصول صدام حسين إلى سدة الحكم. ثم أنجز البناء في غضون سنتين، لكن لوكوربوزييه كان توفي عام 1965، فأشرف على الورشة مساعده جورج مارك بريزانتيه. وتقول مينا ماريفات، المؤرخة المعمارية المتخصصة في أعمال لوكوربوزييه، أن شارل إدوار جانيريه المعروف بلوكوربوزييه، كان مهتماً جداً بالمبنى «بل وضع بنفسه نحو 500 رسم تخطيطي». وتضيف: «الغريب أن هذا الصرح لم يحظ سوى بالقليل من اهتمام المتخصصين في هذا المجال»، مذكّرة بأن لوكوربوزييه حصل على الضوء الأخضر لمشروعه في 13 تموز (يوليو) 1958، عشية الانقلاب العسكري الذي أطاح حكم الملكية العراقية، وأنه شعر «بإحباط شديد» بسبب تأجيل تنفيذ المشروع. ويقول المدير الحالي للمنشأة، وصفي الكناني، إن الجيمنازيوم «احتضن بعد تشييده أجيالاً من الرياضيين العراقيين»، كما استضاف عدداً من المسابقات الدولية. إلا أن العصر الذهبي لهذا الصرح جُمّد عام 2003، بعدما أقامت فيه القوات الأميركية التي اجتاحت البلاد، وبقيت فيه سنة كاملة، ولم يؤدِّ انسحابها منه إلى عودة بريقه، بسبب أعمال العنف الطائفي التي مزقت البلاد. وكانت الباحثة في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، سيسيليا بييري، اكتشفت الجمينازيوم عام 2005 خلال عملها على أطروحة تتناول الأعمال الهندسية المعاصرة في بغداد. وفي أيار (مايو) 2011، حضرت بييري إلى بغداد برفقة نائب رئيس مؤسسة لوكوربوزييه الفرنسية، جاك سبريليو، فولد مشروع فرنسي عراقي لإحياء الجيمنازيوم بمشاركة مؤسسة لوكوربوزييه والمعهد الفرنسي للشرق الأدنى وجامعة بغداد ومنظمة اليونيسكو والسفارة الفرنسية. وتقول بييري إن هذا المشروع يساهم في «إعادة بث الوعي حيال الأبنية التراثية، إذ أنه يمكنه أن يحفز الاهتمام بأبنية مهمة أخرى»، مشيرة خصوصاً إلى وزارة المال وجامعة المستنصرية «وهما من الأبنية الرمزية بالنسبة إلى صورة بغداد على الصعيد الدولي، إذ يُظهران هندسة عصرية مهمة وبلمسة عراقية». إلا أن هذا الأمر يبدو صعباً اليوم، بحسب بييري التي تقول إن الجيمنازيوم الذي يعاد تأهيله منذ سنة، يبدو بعيداً من رؤية مصممه. فعلى مدرجاته تنتشر الكراسي الملونة، وفي غرف تبديل الملابس يحجب سقف اصطناعي السقف الرئيسي الذي صمم بطريقة تسمح بدخول نور الشمس، فيما تنتشر الأبنية الحديثة حول المنشأة. لكن، على رغم تلك التشوهات، ما زال الجيمنازيوم يحتفظ بتوقيع لوكوربوزييه الذي يلخص رؤيته المعمارية: «النظام مفتاح الرفاه».