بغداد - أ ف ب - يأمل المعماري العراقي الشهير رفعت الجادرجي الذي اقترن اسمه بنصب «الجندي المجهول» الذي أزيل مطلع ثمانينات القرن الماضي بقرار من رئيس النظام السابق، بإعادة إنشائه في مكانه الأول حيث يستعد لانجاز تصاميمه الأولية. ويقول الجادرجي الذي يستقر حالياً في لبنان، ويزور هذه البلاد بعدما غادرها في الثمانينات: «أقوم بانجاز التصاميم الأولية للنصب بعد تكليفي من الجهات الحكومية لإعادة إنشائه في مكانه المعروف وبالطراز ذاته وهذا شيء مهم بالنسبة إليّ مثلما كان النصب يشكل أهمية استثنائية عند انشائه للمرة الأولى». وتعود فكرة انشاء نصب الجندي المجهول الى عام 1958 عندما كلف الجادرجي اقامة نصبين، «الحرية» الذي نفذه الراحل جواد سليم، و «الجندي المجهول» الذي كان يعد من معالم العاصمة حتى ازالته عام 1982 من «ساحة الفردوس»، ليقام مكانه تمثال لصدام حسين أزاله الأميركيون عندما غزوا العراق عام 2003. ونفذ الفنان الراحل خالد الرحال في ثمانينات القرن الماضي نصباً آخر للجندي المجهول. ولد رفعت الجادرجي في بغداد عام 1926 لأسرة عراقية عريقة إذ عرف والده كامل الجادرجي واحداً من أشهر الصحافيين في ثلاثينات القرن الماضي وعمل في مكتب استشاري للعمارة أنشأه بعد عودته من انكلترا عام 1951 وتابع فيه عمله حتى عام 1977. واستفاد من عمله في منصب رئاسة قسم المباني في مديرية الأوقاف العامة ثم مديراً عاماً في وزارة التخطيط في أواخر خمسينات القرن الماضي ورئيساً لهيئة التخطيط في وزارة الاسكان في تطوير اهتماماته الهندسية بل أن يبلور أسلوباً معمارياً عرف به. وأعرب الجادرجي عن أسفه لما آلت إليه أوضاع المباني في بغداد. وقال: «لا أصدق ما الذي جرى. تحوّل كل شيء الى خربة تقريباً. لقد تعرض العراق إلى غزوات ولم يستقر منذ فترات طويلة، وهذا ما ينعكس باستمرار على التفاصيل الحياتية والعمرانية». ولفت إلى أن «اعادة احياء العمارة يتطلب وقتاً طويلاً كي يتسنى للمجتمع أن ينهض مرة أخرى ويكتسب شبكة ثقافية ويهتم مجدداً بالعمارة والمباني». وقال: «في عام 1950 زرت ألمانيا ورأيت مناطق سويت بالأرض وفي ستينات (القرن الماضي) وجدت تلك الأماكن تتمتع ببناء جميل وشوارع منظمة والسبب وجود مجتمع متنام يملك حرية الابتكار». وانصب اهتمام الجادرجي على ايجاد أسلوب مناسب لعمارة عربية ممزوجة بالتراث، مستفيداً في الوقت ذاته من أسلوب العمارة الحديثة مثلما تظهر المباني التي قام بتصميمها. أكمل الجادرجي دراسته في مدرسة «هامر سميث للحرف والفنون» البريطانية وواجه بعد عودته الى بغداد تحدياً مع تقاليد المجتمع البغدادي القديم عندما كان يعتبر مثل هذه الحرف لا تخرج عن اطار حرفة البناء أو «المعمرجي». وأعطى اهتماماً استثنائياً بالمواقع المعمارية للمباني التي صممها في شارع الرشيد التي اعتمد فيها على «الشناشيل» أو النوافذ الخشبية المزركشة، والتيجان والاقواس الظاهرة في المباني المطلة على الشارع والمقرنصات الحديدية والخشبية البارزة من تلك المباني التي اندثر بعض منها بسبب التحديث وبقي البعض الآخر وهو قليل جداً محافظاً على شكله. كما حصل الجادرجي الذي شارك في معارض عالمية عديدة اهتمت بمسابقات التصاميم على جائزة لمشاركته في تقديم نماذج لمبنى البرلمان الكويتي. اعتقل الجادرجي عام 1977 وبقي في سجن أبي غريب لفترة 20 شهراً قبل أن يطلق في طريقة مؤثرة، فعندما كان العراق يستعد لاستضافة مؤتمر عدم الانحياز، طلب رئيس النظام السابق صدام حسين حينها مقابلة أشهر المعماريين لتكليفه بإعادة التنظيم العمراني لبعض الأماكن في بغداد. وأخبر صدام حسين بوجود أشهر المعماريين في السجن، فأمر بإطلاق الجادرجي ليتفرغ للمهمة. ويكشف الجادرجي (83 عاماً) الذي يهتم بالتصوير الفوتوغراقي إذ يحتفظ بأرشيف يضم أكثر من عشرة آلاف صورة لمدن عراقية وعالمية عن اهتمام استثنائي بالموسيقى. وقال: «أستمع الى الموسيقى يومياً وتحديداً الألمانية واليابانية وأشاهد المسرحيات الفرنسية». وعمل أستاذاً زائراً في جامعة هارفرد من عام 1984 الى عام 1986 ثم أستاذاً زائراً في قسم العمارة في مدرسة «بار تلت» في جامعة لندن، وفي غضون ذلك، كان محاضراً في فلسفة الفن والعمارة والانثروبولوجيا وعلم الاجتماع في جامعات السودان وتونس والبحرين. وأنجز الجادرجي عشرات المشاريع في بغداد، ويبقى نصب الجندي المجهول الأبرز في مشواره وكذلك مبنى دائرة البريد والاتصالات في منطقة السنك في قلب العاصمة التي تقع على ضفة نهر دجلة من جانب الرصافة، وكذلك مبنى اتحاد الصناعات العراقي. ونال جائزة الشيخ زايد عن كتابه «في جدلية وسببية العمارة». وللجادرجي مؤلفات في العمارة أبرزها «الاخيضر والقصر البلوري» و «شارع طه وهامر سميث» و «حوار في بنيوية الفن والعمارة» و «جدار بين ظلمتين» الذي أرّخ فيه للشهور العشرين التي أمضاها في سجن أبو غريب. وفي عام 1993، عندما استقر في لبنان، أسس مركز بحوث حمل اسمه وتفرغ للبحث في فلسفة العمارة ونظريتها وفي عام 1999 أسس مؤسسة الجادرجي التي ترعى تطور العمارة في العالم العربي حيث تقوم سنوياً بالاشتراك مع نقابة المهندسين في بيروت بتقديم جوائز لطلبة العمارة في لبنان.