في مكتب التأمينات الاجتماعية في جدة يحتل مدير المكتب الدور السادس في مساحة كبيرة، منفرداً به لنفسه هو وسكرتيره، بينما يجلس مدير مكتب العمل في غرفة صغيرة وبجواره سكرتيره، ومنذ قدوم المهندس عادل فقيه وزيراً، أصبح هذا الباب مفتوحاً أمام المراجعين، إنما في معظم الأوقات المدير لا يكون موجوداً، ومن المكاتب الكئيبة والمزعجة التي لا تود أن تزورها، إنما «مكره أخاك لا بطل»، وهي إدارة الجوازات في جدة، فهي تقع في موقع مهمل، وفي مبنى متهالك، ومكتب المدير يستطيع أن يدخله أي شخص، المواقف من سابع المستحيلات، والتنظيم المروري معدوم، وخارج الجوازات تختلط بسطات التعقيب، وتعبئة الاستمارات، ومكاتب الخدمات العامة، ومع ذلك تقول في نفسك ليت هذا المكتب ينتقل إلى موقع آخر، ومن أفخم المكاتب التي ترتاح لها نفس المراجعين مبنى أمانة محافظة جدة، فهو يطل على البحر ويعطيك ارتياحاً في إيقاف سيارتك وأسلوب تنظيم ومكاتب فخمة وراقية، والحقيقة هناك اختلافات وفروقات في المكاتب والإدارات الحكومية، فلا تستطيع أن تميز بين مكتب المدير العام ومدير فرع، فالواسطات تلعب دوراً كبيراً في اختيار المكاتب، وحديثي هو مع تنامي تطور تقنية الاتصالات والمعلومات، أين موقع الإدارات الحكومية، وهل بالفعل يحتاج المراجع أن يلف الكرة الأرضية من أجل أن يراجع في إدارات حكومية موزعة في مختلف أنحاء المدينة، ويضيع يومه في البحث عن موقف سيارات؟! الكثير من هذه الإدارات لا يوجد فيها جهاز كومبيوتر أو نظام آلي، ويستغرق وقتاً أطول من أجل الاستفسار عن معاملة أو جهة تحويلها، فلا تجد تنسيقاً أو توحيداً في شكل الإدارات الحكومية من حيث حجم الطاولات والمكاتب وأماكن مراجعة العملاء، أما إذا كانت المباني الحكومية مستأجرة، فكان الله في عون المراجع إذا ظل المصعد معطلاً ساعة الذروة. بصريح العبارة لا توجد هوية ولا ذوق أو طعم لمباني الإدارات الحكومية، سواء مكاتب أو تعاملات موظفين، وقد يقضي الكثير منهم يوماً كاملاً في إنهاء توقيع ،فضلاً عن أنها متفرقة متباعدة وتحتاج إلى همة وصبر ورباطة الجأش، واضح أن الشكل الخارجي ومكاتب خدمات العملاء والمراجعين هي آخر هموم الوزراء والمسؤولين، ولا أعرف من يختار مواقع الإدارات الحكومية؟ وما المعايير التي تتبع، هل تراعي الأسعار للعقار أو موقعها، بحيث يسهل وصول المراجعين كافة وأيضاً ضرورة إيجاد مواقف؟ في عصر ارتفاع كلفة الوقود، واختصار الوقت وتقديم خدمة مميزة وسهلة وسريعة، «والناس ما عندها خلق تلف من شارع إلى آخر» من أجل إنجاز معاملة، خصوصاً إذا كانت التي تراجع هذه الإدارات سيدة، فبالتأكيد أن مصروفها لذلك اليوم سيكون عالياً لحساب سيارة الأجرة أو السائق، وربما يهرب ويتركها في وسط الشارع من زحمة السير وضياع الطريق، نحن بحاجة إلى عقلية لتطوير وتحسين الخدمات الحكومية وتوزيعها في أماكن متعددة داخل المدن وليس فقط في مكان واحد، كما أننا بحاجة إلى تقليص عدد الموظفين والمظهر الخارجي للمكاتب واختيار عناصر جيدة من الموظفين، وربط الترقيات والعلاوات بالإنجاز. أسعدني الخبر الذي بثته أمانة مدينة الرياض بإعادة هيكلة مدينة الرياض بتوطين 15 مركزاً إدارياً تستهدف تقسيم مدينة الرياض إلى مناطق إدارية تخفف من تكتل المراجعين في الإدارات الحكومية، وخفض الزحام المروري، وتقليص مراكزية الإدارات، وتحديد 11 موقعاً من أصل 15 موقعاً، لإقامة مراكز إدارية تضم فروعاً تمثل 14 إدارة حكومية، هي: «الإمارة - الأمانة - هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - كتابة العدل - الشرطة - إدارة الجوازات - الأحوال المدنية - المرور - الدفاع المدني - البريد - الاتصالات - شركة الكهرباء - شركة المياه - وزارة الصحة»، وهذه بصراحة سابقة وأيضاً تجربة رائدة تسبق فيها أمانة منطقة الرياض بقية المدن الأخرى. تحدثت بهذا الخصوص مع أمين منطقة الرياض الأمير الدكتور عبدالعزيز بن عياف، حول هذه التجربة، فأكد لي أن المشروع نظرته اقتصادية واجتماعية بالكامل، ويستهدف سرعة تقديم الخدمات الإداراية للمواطنين كافة، وتخفيف الزحام، وأيضاً تقليل هدر الوقود المستهلك. يقول العياف: «إن الأمانة بدأت أول نموذج واقعي له (المركز الأول)، وهو مركز السلي جنوب شرق الرياض، على مساحة تزيد على 120 ألف متر مربع، الذي يمثل أولى خطوات الأمانة نحو اللامركزية، وتحقيقاً لرؤية جديدة لتوزيع النمو السكاني، والإسكاني، وحتى الاستثماري للعاصمة، من خلال خلق فرص جديدة للعمل والاستثمار في تلك المراكز من دون الحاجة إلى التنقل بشكل دوري إلى مواقع الإدارات الحكومية الرئيسة وسط الرياض». وحول بداية فكرة ونشأة المراكز الإدارية في مدينة الرياض، يقول العياف: «عقب دراسة مسحية للمدينة وحجم النمو الحالي والمستقبلي، الذي يتوقع أن يرتفع من 5.3 ملايين نسمة عام 2012 إلى 8.1 ملايين نسمة عام 2030، وفي ظل غياب النقل العام، أدركنا أن حركة وتنقل المواطنين إلى بعض الجهات الحكومية تكلف الكثير من الوقت والجهد، وتعطيل المصالح، خصوصاً إذا كان صاحب المصلحة من منسوبي إحدى الجهات الحكومية، أو الخاصة الخدمية». يجب أن نهنئ أمانة منطقة الرياض على إطلاقها هذه التجربة الإدارية، وأتمنى أن تنتشر بسرعة إلى مناطق أخرى مثل جدةوالمدينةالمنورة ومكة المكرمة، ولا ننتظر حتى يتم تفعيلها في مدينة الرياض، يجب أن تعمم، ولا أظن وزارة الشؤون البلدية والقروية تمانع في استنساخ التجربة في مدن أخرى، مادامت الغاية خدمة الناس. وإذا ما استمرت الحال هكذا لأوضاع الإدارات الحكومية وتباعدها، فأعداد الذين يكرهون مراجعة الإدارات الحكومية سيتزايدون، فلا تجبرونا على كرهكم يا مؤسساتنا الحكومية. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected] @jbanoon