شارك الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة أمس الجمعة في جنازة الرئيس الراحل أحمد بن بلة التي انطلقت من قصر الشعب في اتجاه مقبرة العالية في العاصمة الجزائرية حيث دُفن في «مربع الشهداء». وحضر تشييع جنازة بن بلة الذي وافته المنية يوم الأربعاء عن عمر ناهز 96 سنة، مسؤولون كبار في الدولة الجزائرية وشخصيات سياسية ووفود أجنبية وجمع غفير من المواطنين. ومن الحضور المغاربي سُجّلت مشاركة الرئيس التونسي المنصف المرزوقي والوزير الأول حمادي جبالي ورئيس الجمعية التأسيسية مصطفى بن جعفر وزعيم حركة «النهضة» راشد الغنوشي ووزير الشؤون الخارجية رفيق عبدالسلام. كذلك شارك الوزير الأول الموريتاني مولاي أولد محمد الاغدس، ورئيس الحكومة المغربية عبدالإله بن كيران. وقد مر الموكب الجنائزي بشوارع ديدوش مراد والبريد المركزي وشارع جيش التحرير الوطني باتجاه مقبرة العالية حيث وضع الجثمان الذي كان مسجى بالعلم الوطني فوق عربة عسكرية وكان محاطاً بعناصر الحرس الجمهوري ممتطية الدراجات النارية. وحرّكت وفاة الرئيس الراحل «ديبلوماسية التعازي» مجدداً بين المغرب والجزائر لتأكيد جوانب مشرقة في التضامن إبان المعركة التي خاضها البلدان ضد الاستعمار الفرنسي قبل استقلالهما. ووجه العاهل المغربي الملك محمد السادس برقية مواساة إلى الرئيس بوتفليقة في وفاة الراحل أحمد بن بلة، وقال إن الفقيد كانت تربطه بالمغرب وشائج التقدير والتضامن وعُرف بروحه الوحدوية المغاربية، معتبراً أن رحيله لا يُعد خسارة للجزائر فقط بل للأخوّة المغاربية القائمة على مبدأ التضامن. وانبرت فاعليات حزبية مغربية في المعارضة والموالاة على التذكير بمناقب أول رئيس للجمهورية الجزائرية، على رغم أن فترة رئاسته كانت قد انطبعت بأقصى درجات التوتر لدى اندلاع «حرب الرمال» بين البلدين الجارين في خريف 1963. ونعى الاتحاد الاشتراكي الفقيد بالقول إنه كان يشكّل استمراراً لحركات التحرير المغاربية، ولم يفقد إيمانه بوحدة المصير على رغم الأزمات كافة. وشارك رئيس الحكومة المغربية بن كيران في مراسيم تشييع جنازة بن بلة إلى مثواه الأخير. وقال في تصريح إن الراحل يُعتبر أحد رموز المقاومة والوجوه البارزة في المنطقة المغاربية. ورافق بن كيران إلى الجزائر كل من الطيب الفاسي الفهري مستشار العاهل المغربي وعبدالرحمن اليوسفي رئيس الوزراء السابق وسعيد أيت إيدر أحد رجالات المقاومة، إضافة إلى سعيد بونعيلات المعارض الذي قضى جزءاً من حياته لاجئاً في الجزائر. وتُعتبر هذه المرة الأولى التي يشارك فيها وفد مغربي بهذه الرمزية في حدث يعيد إلى الأذهان ترابط حركات التحرير المغاربية. وحافظ أحمد بن بلة على علاقات ودية مع جيرانه المغاربة، إذ كان يُنقل عنه القول إنه معتز بأصوله المغربية. ولم تحل خلافات سابقة بينه والحسن الثاني دون تدخل الأخير لرفع الإقامة الجبرية عنه. وروى الحسن الثاني عن أول لقاء مصالحة بينه والرئيس أحمد بن بلة التأم في فندق في القاهرة في حضور الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، أنه عاين بعض مظاهر انعدام الود بين الرئيس الجزائري ووزيره في الدفاع هواري بومدين قبل إطاحته في انقلاب عسكري. واعتُبر الحسن الثاني وقتذاك أول رئيس دولة يزور الجزائر مباشرة بعد استقلالها على رغم أن مساعديه تمنّوا عليه إرجاء تلك الزيارة. لكن المصالحة بين البلدين توّجت لاحقاً بإبرام اتفاق ترسيم الحدود وحسن الجوار في عام 1969. وجرى بعد حوالى عقدين تجديد تلك المعاهدة التي لا يزال مفعولها سارياً إلى اليوم، وإن لم تطرح في أي وقت لتصديق المؤسسة الاشتراعية في المغرب. وزيارة بن كيران هي الأولى من نوعها إلى الجزائر منذ توليه المسؤولية الحكومية، في حين أن آخر زيارة قام بها الرئيس الجزائري بوتفليقة للمغرب جرت في صيف 1999 للمشاركة في تشييع جنازة الراحل الحسن الثاني. والتأمت في ربيع 2005 أول قمة جمعت العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس بوتفليقة في الجزائر على هامش استضافتها القمة العربية، إلا أنها لم تفلح في تبديد أجواء عدم الثقة. فيما ينظر اليوم إلى خطوات التطبيع التدريجي بمثابة مؤشر انفتاح قد يمهّد الأجواء أمام عقد القمة المغاربية المؤجلة قبل نهاية العام الجاري في تونس.