حوض وادي حنيفة هو واحة تقع في قلب هضبة نجد في المنطقة الوسطى من المملكة العربية السعودية. والوادي مصرف طبيعي للمياه السطحيّة لمنطقة تتجاوز مساحتها 4000 كيلومتر مربع، ومعلم جغرافي بارز في هذه الأرض الجافة. ويُشكّل مجراه مع شعابه وروافده المتعدّدة منطقة بيئيّة فريدة من نوعها، تمتدّ 120 كيلومتراً من جبل طويق في الشمال الغربي إلى الصحراء الواسعة جنوب شرقي الرياض. وقد شكّل حوض الوادي، على مدى قرون، مورد رزق لمعيشة المجتمعات القائمة على ضفافه، حيث ساد التوازن الدقيق بين موارد الوادي والعمليات الطبيعية والتدخّلات البشريّة. لذا يرتبط هذا الوادي ارتباطاً وثيقاً بتاريخ الرياض. في أواخر القرن الثامن عشر، جعلت أوّل دولة سعوديّة عاصمتها في الدرعية ذات الموقع الاستراتيجي على الضفة الغربيّة للوادي، للاستفادة من الماء والأراضي الصالحة للزراعة. ولاحقاً تطوّرت الرياض، عاصمة الدولة السعودية الحديثة، إلى الشرق من وادي حنيفة الذي كان مصدر العاصمة الدائم للحصول على الماء والغذاء. وفي سبعينات القرن العشرين، تمدّدت الرياض غرباً زاحفةً نحو وادي حنيفة، وجرى استغلال الوادي في شكل مكثّف لتأمين الطلب المتنامي على الماء والموارد المعدنية اللازمة لحركة العمران التي رافقت النموّ السريع. تدهور وإعادة تأهيل تفاقمت آثار توسّع الرياض نحو وادي حنيفة في الثمانينات، وتمثّل ذلك في استنزاف المياه الجوفيّة ورمي النفايات والتدهور البيئي وفقدان الوظائف الطبيعيّة وتدنّي إنتاجيّة النظام البيئي. وممّا زاد حدّة التدهور حركة البناء غير المرخّص والفيضانات وتصريف مياه المجاري ورمي المخلّفات الصناعيّة. وكان ذلك مصحوباً بحركة التوسّع الحضري والتعدّيات، فوصلت حدود التدهور إلى أقصى مداها، ما حدا بالهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، في العام 2004، إلى البدء بتنفيذ استراتيجيّة شاملة بعيدة المدى لتطوير وادي حنيفة بيئياً وسياحياً واستعادة جماله الطبيعي واستصلاح موارده المائية والمحافظة عليها. تضمّن مشروع التأهيل البيئي إدخال هندسة الحدائق والمناظر الطبيعية، وتجديد الأرض الزراعيّة في الوادي، وإدارة جودة المياه، وتنظيم وضبط حركة جريان الماء والفيضان، وبناء السدود للتحكم في تدفّق الماء، وزراعة القصب لزيادة تطهير المياه من الملوّثات. كما أُنشئ مرفق لمعالجة مياه الصرف يتوافق مع أدقّ مواصفات الحفاظ على البيئة، ما وفّر موارد مياه إضافيّة للسكّان في المناطق الريفية والحضرية. وشملت الأشغال كذلك إزالة ما يقارب 1.25 مليون متر مكعّب من مخلّفات البناء، فضلاً عن النفايات الخاملة وغير الخاملة التي أُلقيت في الوادي على مرّ السنين. وكانت من عناصر التطوير إعادة تأهيل مجرى الوادي تمهيداً للبدء بخطّة مدّتها 20 سنة لضبط فيضان الماء، علماً أنّ الفيضانات كانت تتكرّر في شكل واسع قبل ذلك، نتيجة لتراكم الأنقاض وكثرة البناء غير المرخّص ضمن الوادي. ومن أبرز معالم هذا المشروع مُنشأة الاستصلاح الحيوي، وهي عبارة عن سلسلة قناطر احتجاز ومنحدرات وأحواض ومضخّات تهوئة وخلايا معالجة بيولوجية ورواسب قاعية اصطناعيّة وزراعات على الضفاف. كل هذه العناصر مجتمعة خلقت الظروف المناسبة، في الماء وعلى الضفاف، لامتصاص الملوّثات وتنقية المياه، عبر بيئة مؤلّفة من كائنات حيّة طبيعيّة تتجمّع لتكوِّن شبكة غذائيّة. وكان من أثر ذلك المساهمة في تحسين جودة بيئة الوادي وزيادة إقبال الناس عليه والاستفادة منه كمقصد للترفيه والاستجمام. وقد نال مشروع التأهيل البيئي لوادي حنيفة جائزة الآغا خان للهندسة المعمارية للعام 2010. مصدر دخل وفرص عمل أصبح وادي حنيفة اليوم» وادياً حيّاً معافى، وغدا جزءاً لا يتجزأ من حياة الرياض. فلقد أنتج مشروع التأهيل بيئة نظيفة صحّية سليمة مليئة بالحدائق والأراضي الخضراء التي تربط بين المدينةوالوادي. وأصبحت تلك الواحة الممتدة على طول مدينة الرياض وضواحيها، وصولاً إلى المناطق الريفيّة المحيطة بها، زاخرة بالمشاريع السكنية والمزارع ومرافق الترفيه والنشاطات الثقافية والسياحية. وأسفرت صيانة الأراضي الرطبة عن استرداد الطاقة الإنتاجيّة لهذا النظام البيئي الذي تحوّل إلى مصدر للعديد من الخدمات، منها تنقية المياه الملوّثة وضبط الفيضانات وترسيخ الموئل البيئي الملائم للتنوّع البيولوجي وخلق الفرص للنشاطات الترفيهيّة والثقافيّة والجماليّة. وهكذا أصبح وادي حنيفة مقصداً مرغوباً لطالبي الراحة والاستجمام وأصحاب الهوايات مثل صيد السمك والتنزّه، واستراحة للطيور المهاجرة. ويُشار إلى أنّ استخدام الحدائق والمتنزّهات للنشاطات الترفيهيّة والزراعيّة والسياحة يُضيف مصدر دَخْل للمنطقة ويُساهم في خلق فرص عمل. لقد أعطى مشروع إعادة تأهيل وادي حنيفة نموذجاً بديلاً لمشاريع تطوير المدن، وأثبت أنّ بالإمكان مواءمة الموارد الإنتاجيّة في الموئل البيئي مع الاحتياجات الاجتماعيّة - الاقتصاديّة للسكان الذين يعيشون ضمنه، من أجل خلق علاقة مستدامة تربط بين الناس وبيئتهم. * ينشر بالتزامن مع مجلة «البيئة والتنمية» عدد نيسان(أبريل) 2012