أكد وزير الخزانة الأميركي تيموثي جايتنر أن السعودية لعبت دوراً أساسياً ضمن مجموعة ال20 في تحقيق الكثير من الاستقرار، وأنها ستكون صوتاً مهماً في بناء التعاون من أجل إطار أكثر صلابة لتفادي الأزمات المستقبلية مشدداً على أن بلاده وغالبية دول العالم بدأت تتعافى من الأزمة الاقتصادية العالمية التي اندلعت العام الماضي. وأوضح أمام جمع من الاقتصاديين السعوديين في لقاء بغرفة تجارة جدة أمس أن «سياسة أميركا مصممة لوضع ركيزة لدولار قوي يقوم بتخفيف العجز المالي، ونحن ملتزمون بحل الأزمة وأسواقنا مفتوحة»، مضيفاً: «نظراً إلى دور الدولار في النظام المالي العالمي والتأثير الكبير للاقتصاد الأميركي في الظروف الاقتصادية العالمية، فإننا ندرك تماماً أن الولاياتالمتحدة تتحمل مسؤولية خاصة». وأشار إلى أنه حرص في وقت مبكر على أن تنضم السعودية إلى مجموعة ال20 وقال: «عندما عملت في وزارة الخزانة في التسعينات، بدأنا مسار بناء إطار أوسع بإنشاء المجموعة، وبذلك جلبنا السعودية والاقتصادات الناشئة الكبرى إلى الطاولة، وعلى مدار الأشهر القليلة الماضية لعبت المجموعة دوراً رئيسياً في بناء استراتيجية عالمية منسقة للتصدي للأزمة ولوضع أجندة للإصلاح في القطاع المالي الدولي، ولعبت السعودية دوراً أساسياً في هذا المسار، وسيكون للسعودية صوت مهم في بناء التعاون من أجل إطار أكثر صلابة لتفادي الأزمات المستقبلية، كون المملكة انضمت كعضو جديد إلى المجلس الموسع لتثبيت الاستقرار المالي». وشدد على أن الهدف من زيارته إلى السعودية هو التأكيد على التزام الرئيس أوباما بترسيخ العلاقات الثنائية وتعزيز ومراجعة التقدم المحرز في استراتيجيتهما المنسقة لاستتباب النمو العالمي، «واستعراض المخاطر والتحديات التي تنتظرنا والمضي قدماً بأجندة الإصلاح لمجموعة ال20». وأوضح وزير الخزانة الأميركي أن مخاطر كبيرة لا تزال تهدد نهوض الاقتصاد العالمي، لكن الدول الكبرى أحرزت تقدماً في جهودها المشتركة للخروج من الأزمة، وقال: «الاقتصاد العالمي يمر بواحدة من أشد المراحل صعوبة من الشدة والتحمل الاقتصادي منذ أجيال خلت، ففي كل قارة وكل دولة تتعرض مشاريع الأعمال والأسر إلى خسارة حادة في مستوى الثراء وارتفاع البطالة وإخفاق المشاريع». وأضاف: «قوة الركود العالمي تنحسر، وللمرة الأولى منذ فصول عدة بدأ صندوق النقد الدولي وعدد من المحللين في القطاع الخاص بمراجعة توقعاتهم للنمو للنصف الثاني من هذه السنة والسنة المقبلة، وأخذت التجارة العالمية بالتوسع مجدداً، ففي الولاياتالمتحدة أسرعنا في العمل على إعادة الثقة بالنظام المصرفي من خلال زيادة الشفافية التي تساعد في جلب بلايين الدولارات من رأس المال الخاص إلى البنوك كي تقي نفسها من انكماش أشد، ووضعنا حزمة من آليات مبتكرة للتمويل لمساعدة إعادة تشغيل أسواق الائتمان، وقمنا أيضاً بتعزيز أسس شركات الإسكان التي ترعاها الحكومة، وأطلقنا برنامجاً شاملاً لتخفيف حدة أزمة الإسكان، وعملنا على تعويض الانحسار الشديد على الطلب»، مشيراً إلى أن إدارة الرئيس أوباما عملت منذ توليها السلطة مع الكونغرس على وضع رزمة كبيرة للنهوض الاقتصادي هي الأكبر في تاريخ البلاد، وهي برنامج شامل للمحفزات الضريبية الفورية للمشاريع والأسر. وأشار الى أن استراتيجية الرئيس أوباما تقوم على التحرك بسرعة على الصعيد الوطني، وقال: «عملنا مع الاقتصادات الكبرى في العالم على برنامج منسق لتحفيز الاقتصادات الكلية وتثبيت الاستقرار المالي، واتفقنا سوياً على أن تبقى أسواقنا مفتوحة أمام التجارة والاستثمار، وبنينا توافقاً على برنامج كبير استثنائي للدعم المالي من أجل الاقتصادات الناشئة والنامية من خلال صندوق النقد الدولي وبنوك التنمية المتعددة الأطراف». وشدد على أن كل هذه الإجراءات أسهمت في خفض آثار الأزمة وخطر تفاقم الركود العالمي، قائلاً: «تباطأ معدل تدهور النشاط الاقتصادي، وأخذت أسواق العقارات بالاستقرار، وانخفضت كلفة الائتمان بشكل كبير، هذا التحسّن ظهر بشكل أسرع مما توقعه الكثيرون منا عندما صممنا هذه البرامج». وأضاف: «وصلت إلى هنا قادماً من أوروبا حيث وتيرة الانكماش بدأت تخف، وفي اليابان تبرز أيضاً إشارات مماثلة لبدء الاستقرار، وفي الصين نجحت الحكومة في استخدام سياسة لرفع مستوى الطلب، وفي المقابل تساعد في تعزيز الآفاق الاقتصادية الآسيوية الأخرى». وأشاد وزير الخزانة الأميركي بمتانة الاقتصاد السعودي، وقال: «هنا في السعودية يواصل الاقتصاد غير المرتكز على النفط نموه، تعززه واحدة من أكبر أدوات التحفيز الاقتصادي لدى أي من دول مجموعة ال20، وبفضل خطوات حثيثة في القطاعين النقدي والمالي». وكشف جايتنر أن مسار التعافي سيستغرق وقتاً أطول وأكثر، وقال: «تداعيات هذه الأزمة كانت قاسية وحادة في مدى الأضرار التي أصابت الاقتصادات حول العالم، وفي ضوء نطاق الضرر الذي لحق بالنظم المالية العالمية، وفقدان الثراء والتعديلات الضرورية لفترة طويلة من الاقتراض المفرط حول العالم، يبدو من الواقعي توقع حدوث نهوض تدريجي مع تأرجحات وانعكاسات سالبة موقتة، لكن النمو سينقلب إيجاباً قبل بلوغ البطالة ذروتها، وعدم اليقين سيمهل وتيرة النهوض والتعافي الاستثمارات الجديدة، وستكون شروط الائتمان أشد صرامة عن العادة حتى مع تقدم وتيرة النمو». وتابع: «على رغم أن هذه الاستراتيجية أثبتت نجاحها حتى الآن في خفض المجازفة الكارثية، نحتاج الى الاستمرار في التركيز في السياسة على النمو، فالهفوات والأخطاء المعهودة المأسوية في السياسة الاقتصادية هي التصرف في وقت متأخر وبقوة غير كافية وبعدها استخدام مكابح السياسة. ولن تتكرر هذه الهفوات». وشدد وزير الخزانة الأميركي على التزام بلاده بالمحافظة على الانفتاح الذي يتحلى به الاقتصاد، وقال: «نركز على النهوض الاقتصادي، ونحتاج إلى إرساء ركيزة لنمو عالمي أكثر توازناً وأكثر قدرة على الاستدامة مع مؤسسات أقوى، لتلافي الأزمات المستقبلية والتعامل معها، وأعتقد أن العالم لم يتوصل بعد إلى تقدير حجم الطموح والاستثمار، الذي نشهده في المملكة ومنطقة الخليج، لإرساء ركائز النمو المستقبلي، أنتم تشيدون مؤسسات من المستوى العالمي للتعليم العالي مترافقة مع الإصلاحات، لتحسين مستوى التعليم الأساسي والثانوي، أنتم تنوعون اقتصاداتكم من أجل بناء مستقبل أقل اعتماداً على النفط والغاز الطبيعي، تقومون بهذا التنوع من أجل مستقبل أفضل لبلادكم». وكان جايتنر الذي بدأ زيارة رسمية إلى السعودية أمس ضمن جولة يلتقي خلالها مسؤولين أوروبيين وعرباً، عقد اجتماعاً صباح أمس مع رئيس مجلس الغرف السعودية رئيس غرفة جدة محمد عبدالقادر الفضل وأعضاء مجلس الأعمال السعودي الأميركي وعدد من أصحاب الأعمال، قبل أن يلتقي مع رجال الأعمال والإعلام ويجيب على أسئلة الحضور. ورحب الفضل في بداية اللقاء بالمسؤول الأميركي، مشيراً إلى العلاقات النموذجية التي تربط بين السعودية والولاياتالمتحدة في كل المجالات، وقال: على الصعيد الاقتصادي، تعد السعودية الشريك الأول للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، إذ تجاوز حجم التبادل التجاري بينهما 200 بليون ريال، إذ حدث نمو كبير وصل إلى نسبة تزيد على 20 في المئة في العامين الماضيين، بعد أن وصل حجم التبادل التجاري في عام 2006 إلى 157 بليون ريال.