أهداني الصديق الساخر والكاتب الفاخر «أحمد العرفج» قبل أيام مؤلفاً جديداً له، حمل عنوان «المختصر من سيرة المندي المنتظر»، وهو برأيي كتاب «عرمرمي»، وأرجو ألا يسألني أحد عن معنى هذا المصطلح، قبل أن يطلع بنفسه على حكايات هذا «المندي» الخطر، التي يمكن وصفها بعملية رصد تاريخي لكل ما عايشه المؤلف في حياته، ما يمكننا تسميته ب«المضحكات المبكيات». العرفج تناول في مصنفه الأثير بمنهجية «الكوميديا السوداء» كثيراً من القضايا التي تشغل المهتمين بالشأن العام في السعودية، على رغم أنه يعيش منذ فترة طويلة في أوروبا بعيداً من ضجيج «العربان»، وقد اعترف بأنه يتابع الجدل الدائر حول نظام «ساهر» من هناك، ليس لشيء وإنما لأنه دفع خلال حياته البائسة لإدارة المرور رسوم مخالفات تكفي لشراء «فيلا» جديدة في حي «محمي من السيول» في جدة، وأتوقع أنه بهذه الإشارة يحاول استثارة عطف المرور ليعيد له بعض المال الذي قد يعينه على حياة الغربة، لكنه عشم إبليس في الجنة. في فصل قصير يُقارن «المندي» المنتظر بين أحلامه عندما ينام في بريطانيا وقرينتها التي تقتحم جمجمته وهو مستلقٍ على «دوشق» في بريدة أو جدة، فيقول: «عندما أكون في لندن أو برمنغهام، أنام باكراً، فأرى أنني أتجول في مزرعة تفاح وبرتقال، أو أنني فزت بمسابقة «يانصيب»، أو أدركت القطار الذي سيقلني من مدينة لأخرى، والمطر يداعب وجهي»، أما في السعودية فتأتي أحلام العرفج على هذا النحو: «في «الليلة الأولى»، يحلم أنه تائه في المطار، وأن حقائبه فُقدت أو ذهبت إلى مدينة أخرى، وهذه أول تحية يتلقاها عادة في جدة، أما في «الليلة الثانية» فيرى أن «السيل» اجتاحه وليس بحوزته «لستك» ينقذه من الغرق»... ويستمر في سرد أحلامه المأسوية إلى أن يصل إلى حلم «الليلة الثامنة» الذي يرى نفسه فيه يردد إحدى أغاني عبادي الجوهر على كورنيش عروس البحر الأحمر، قبل أن يضطر للبحث عن سيارة مهجورة يغطيها الغبار ليقضي حاجته خلفها، لعدم توفر البديل. أما عن الأمنيات التي تركها «المندي» المنتظر خلفه في السعودية، ويبدو أنها لا تزال قائمة في مخيلته، فهو يسردها في فصل بعنوان «هذا الجديد في قائمة ما أريد»، قائلاً: «أريد أن أفتح محلاً لبيع الخضراوات من دون أن تضايقني البلدية... أريد أن أسجل أخي في مدرسة، من غير الاستعانة بصديق... أريد أن أتجول مع أخواتي في الأسواق، من دون أن يفزعني رجل بقوله «مَنْ هؤلاء النساء اللواتي معك»... أريد أن أسير بسيارتي من دون الخوف من مطبات تهد ضلوعها... أريد أن أزور والدتي في القصيم وأجد مقعداً على الخطوط السعودية بيسر وسهولة... أريد أن أقدم - كمواطن شريف - على صندوق التنمية العقاري وأحصل على قرض بعد عشرة أعوام وليس أكثر... أريد أن تحترم شركات الاتصالات جوالي، بحيث لا ترسل لي رسائل «اقتحامية» كل وقت، لتتحول مهنتي في الجواز من «موظف» إلى «ماسح رسائل جوال». حكايات «المندي» المنتظر الشيقة لا تنتهي بما سبق، لكن المساحة المخصصة لمقالة البني آدم الغلبان «محاكيكم» أوشكت على الانتهاء، ولا أريد أن أغادرها قبل أن أطالب صديقي أحمد العرفج بقيمة «الدعاية» التي قدمتها لكتابه، وأشهدكم على ذلك... والله خير الشاهدين. [email protected] @Hani_AlDhahiry