ليلة الجمعة الفائتة فوجئت بأكثر من رسالة نصية تقتحم هاتفي المحمول محذرة السياح السعوديين في لبنان من التواجد في قلب العاصمة بيروت وتحديداً في منطقة الحمراء «قلبها النابض» وتصف الأماكن التي يزورها عادة السياح في هذه المنطقة التي تعتبر ملتقى السياحة الأول في لبنان ب»المشبوهة».. ثم علمت أن مصدر الرسالة الأصل هو السفارة السعودية حينما قرأت لاحقاً تصريح السفير السعودي عن «الرسائل التحذيرية» التي بعثها فريقه بشكل مكثف لهواتف السعوديين في لبنان. والحق أقول إن الرسالة وتصريح السفير كانا مفزعين بالنسبة لي شخصياً كون توقيت التحذير صادف وجودي في بيروت ونزولي بجوار العشرات من العوائل السعودية في أجمل وأشهر الفنادق العالمية في منطقة الحمراء.. توقعت أن هناك معلومات وصلت للسفارة عن مخطط إرهابي يستهدف رعاياها أو أن هناك تنسيقاً مسبقاً بين السلطات اللبنانية والسفارة السعودية لحفظ أرواح الناس رأى ضرورة إصدار مثل هذا التحذير.. وفكرت جدياً في حمل حقيبتي والفرار إلى أي جهة تقلع إليها أول طائرة من مطار الشهيد رفيق الحريري.. موزمبيق.. هونولولو.. الواق واق.. أي جهة والسلام المهم أن أنفذ بجلدي.. فكرت في كتابة وصيتي وتوزيع ثروتي الطائلة من الأحلام والأوهام لورثتي وأصدقائي وجيراني.. فكرت أيضاً في كتابة ملحمة شعرية «رثائية» في نفسي ربما نافست بها عمالقة فن الرثاء العرب بعد قرون طويلة من رحيلي عن هذا الكوكب. كانت الأفكار تزدحم في جمجمتي بشكل هستيري وأنا أتجول مشياً على أطراف أصابع قدميّ في شارع الحمراء وأتنقل بين أماكنه الجميلة المشبوهة (بحسب التحذير) فيما السياح من جميع الجنسيات يحيطون بي ويتحدثون ويضحكون مع بعضهم البعض وكأن لاشيء يحدث.. تساءلت في مخيلتي عن مدى معرفتهم بالخطر المتربص بهم وهل سفارات بلدانهم حذرتهم أم أنها فضلت الصمت لكونها تريد التخلص منهم ربما لتخفيض عدد سكان الدول التي قدموا منها، استوقفت شاباً لبنانياً حياني بابتسامة وهو يمر بجانبي وسألته: «دخلك خيي وين الأماكن المشبوهة هون»؟ نظر لي باستغراب شديد اتبعه بضحكة ومضى في حال سبيله.. اتصلت بصديق مقرب وهو صحافي سعودي مقيم بشكل دائم في لبنان وسألته عن التحذير وأسبابه التي لم تعلن السفارة عنها فضحك وقال «طنش يا شيخ».. عند عودتي للفندق اتجهت للمطعم مباشرة مقرراً تناول وجبة رائعة ربما تكون الأخيرة لي في هذا العالم.. وأيضاً سألت شاباً لبنانياً يعمل فيه عن إن كان الوضع السياسي في لبنان ينذر بأي خطر فرد: « كل شي منيح وياهلا والله»..عدت لغرفتي ونظرت لوجهي في المرآة فاستيقظ الصحافي الفضولي بداخلي وقررت المجازفة والبقاء في بيروت لتسجيل مشاهد النهاية، وعدت للتجول في مقاهي الحمراء ومطاعمها ومحلاتها حاملاً هاتفي في يدي لاستخدام عدسته في التقاط صور لأي مشهد مريب.. اكتشفت عقب جولاتي أن سلوكي بعد التحذير والتفاتاتي السريعة هي الشيء الوحيد المريب ربما في بيروت بأكملها.. وعلمت في وقت لاحق من بعض الأصدقاء أن سبب التحذير الذي كاد أن يرديني قتيلاً من الرعب عائد لتعرض «كم نفر» لحوادث سرقة لا أكثر.. نعم سرقة مثل تلك الحوادث العادية التي تحدث لبعض السياح أحياناً في مصر والمغرب وتركيا وتحدث بشكل متكرر لبعض المواطنين في منفوحة وغليل والثقبة داخل السعودية (كما تنشر الصحف يومياً)، وهو ما دعاني لكتابة هذه الكلمات لاقترح على إخواننا الحريصين علينا في السفارة السعودية في بيروت حفظهم الله ورعاهم وجعلهم ذخراً لرعايا بلادهم أن «يلونوا» تحذيراتهم كما يفعل إخوتنا في الأرصاد والدفاع المدني «تحذير أحمر .. أصفر.. برتقالي» على الأقل حتى لا يقتلوا مواطناً صالحاً مثلي بالرعب ويفسدوا عليه إجازته لأن جاره في الفندق فقد محفظته وابن عم ابنة خالته سُرق جواله في مكان مشبوه لا يعرفه أحد.. وشكر الله سعيهم. [email protected] twitter | @Hani_AlDhahiry