أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما في مقابلة أجريت معه أخيراً أثناء حضوره مؤتمر منظمة السيارات الأميركية ان أسعار النفط حالياً تزيد نحو 20 - 30 دولاراً عن المستوى السعري المفروض لها، والسبب في هذه الزيادة الكبيرة في الأسعار عن مستواها المتوقع في ظل أساسيات السوق (توازن العرض والطلب) هو النزاع مع إيران وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. وأضاف أوباما ان ارتفاع الأسعار مرده كذلك زيادة الطلب في دول مثل الهند والصين نتيجة النمو الاقتصادي المستدام لهما، وضرب مثلاً عن الصين، فذكر ان مبيعات السيارات الجديدة في الصين بلغت 80 مليون سيارة عام 2010. مع ارتفاع مستويات المعيشة، خصوصاً في الدول الناشئة والدول المنتجة للنفط، ومع توسع حجم المدن، وإقبال أعداد اكبر من السكان على العيش في الضواحي، يتزايد شراء السيارات في شكل مستمر، ما يعني استدامة توسع استهلاك البنزين والديزل، على رغم الأزمات الاقتصادية العالمية خلال السنوات الأخيرة. وخير دليل على ذلك المعلومات الصادرة أخيراً عن جمعيات دولية متخصصة في إحصاء أعداد السيارات والمركبات ووسائل النقل الأخرى. وتشير المعلومات الصادرة عن «نايشن ماستر» ان مجموع عدد السيارات والمركبات التي تجوب طرق العالم ارتفع عام 2011 ليفوق بليون وحدة ويصل إلى 1.166 بليون. وحصلت هذه الزيادة في الإنتاج والاستعمال خلال واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وعلى رغم ارتفاع أسعار الوقود، ما يعني ان المستهلك سيبقى في حاجة إلى سيارته على رغم الضغوط الاقتصادية التي يواجهها. والسبب في ذلك هو النقص في وسائل النقل العام في مقابل الطلب على المواصلات، والراحة والمرونة التي تحققها السيارة الخصوصية في التنقل إلى العمل يومياً أو التنزه كلما تسنح الفرصة لذلك. وأفاد تقرير «سكوتيا بنك» السنوي حول سوق السيارات العالمي، ان المبيعات في ازدياد مستمر، مسجلة زيادة بنحو ستة في المئة عام 2011 مقارنة بعام 2010، وأن مبيعات السيارات في الولاياتالمتحدة بلغت نحو 14 مليون وحدة. تدل المعلومات أعلاه على ان ارتفاع أسعار النفط مرده عوامل أساسية (ازدياد الطلب بسبب ارتفاع مستوى المعيشة في دول نامية وناشئة)، إضافة إلى عوامل طارئة (أزمات الشرق الأوسط) وأيضاً المضاربات التي يرتفع معدل الاستثمار فيها مع ازدياد الأزمات. وتشير هذه المعلومات إلى أن سوق الخام، على رغم توافر بدائل متعددة للطاقة، وعلى رغم المحاولات العديدة لإحلال هذه البدائل محل الخام، لا تزال في توسع مستمر ما دام هناك طلب مرتفع في قطاع المواصلات، وما دام هذا القطاع يعتمد على الوقود التقليدي. وواضح ان الوقود التقليدي سيبقى مهيمناً على هذا القطاع حتى إشعار آخر، على رغم ازدياد عدد السيارات الكهربائية والهجينة التي تنتَج حالياً. لكن مجموع هذه السيارات التي تعتمد على الوقود الجديد لا تزال محدودة نسبياً، إذ تعد بالآلاف، قد زاد مجموع السيارات العاملة على الوقود الأحفوري عن بليون سيارة. والمنافسة بين الوقود الجديد والقديم لا تزال محدودة نسبياً، فكلفة إنتاج السيارات ذات الوقود الجديد لا تزال عالية مقارنة بالسيارات ذات الوقود القديم، كما أنها تحتاج إلى دعم من الحكومات من خلال خفض الضرائب عليها لجعلها أكثر منافسة، إضافة إلى التكاليف الأخرى مثل الحاجة إلى تشييد المحطات الخاصة المهيأة لاستقبال سيارات الوقود الجديد وخدمتها، ناهيك عن تشييد المرافق الضرورية مثل خزانات الوقود، ما سيضيف كلفة عالية جداً، يجب ان تؤخذ في الاعتبار في اقتصادات سيارات الوقود الجديد. لكن في الوقت ذاته يجب عدم الاستهانة بالجهود والبحوث الجارية لتطوير الوقود الجديد وجعله أكثر تنافسية مع الوقود القديم. لكن من أهم أسباب تقدم الوقود الجديد تبقى حركات الاحتجاج العالمية على الأضرار البيئية التي يشعر بها المواطن في مختلف دول العالم من دور الوقود الهيدروكربوني في التلويث والانبعاث الحراري، سواء في حال التثبت من صحة هذه الادعاءات أو نفيها. ويبقى المهم ان الانطباع عند ملايين الناس في مختلف الدول هو ان وقود المواصلات الحالي هو السبب الرئيس وراء الانبعاثات المضرة، على رغم الآراء العلمية المختلفة في هذا المجال. من هنا، تقع مسؤولية كبرى على الدول المنتجة للنفط للمساهمة في شكل أوسع واكبر مع كبرى الشركات والمختبرات العالمية لتأمين وقود أكثر صداقة للبيئة، على رغم ان هذا الأمر يتطلب جهوداً بشرية ومادية كبيرة، لكن بما ان قطاع المواصلات هو القطاع الرئيس المتبقي للنفط، فمن الأجدى ان تبادر الدول المنتجة بالتعاون مع ذوي الاختصاص في المضي قدماً. وكما تنصب الجهود في اكتشاف حقول جديدة، يجب تطوير المؤسسات اللازمة في شركات النفط الوطنية في تأمين عدد واف من الاختصاصيين لتحسين وقود البنزين، إضافة إلى المخصصات المالية لدعم البحوث، للتأكد في حال استمرار الاعتماد العالمي على النفط في المواصلات، وهذا أصبح واضحاً الآن مع الازدياد السنوي في مبيعات السيارات، من توافر وقود نظيف يلائم متطلبات الناس ويستطيع ان يتنافس اقتصادياً و «نفسياً» مع الوقود الجديد. قررت دول الاتحاد الأوروبي قبل سنوات تطوير وقود الديزل، وتصنيع «الديزل الأخضر». وبالفعل يهيمن هذا «الديزل الأخضر» الصديق للبيئة على وقود السيارات في أوروبا اليوم، مدعوماً طبعاً بالأسعار التنافسية لبقية أنواع الوقود الأخرى. فهل يمكن للدول النفطية تخصيص بعض مواردها المالية لتعميم «البنزين الأخضر» وتحسينه، لتفادي أزمة كبرى مع المستهلك في مختلف دول العالم والذي لا يشتكي من نقصان في الإمدادات، بل تحسباً لزيادة الاحتجاجات ضد الوقود التقليدي، الذي يعتبره المستهلك أسوأ ملوث للبيئة. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية