أشار التقرير الشهري الأخير لوكالة الطاقة الدولية إلى أن الطلب على النفط في دول «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» (OECD) وصل إلى حدوده القصوى. وعزا هذه الظاهرة المهمة إلى انكماش استعمال النفط في التدفئة وتوليد الطاقة الكهربائية والاستخدامات الصناعية. ويعود السبب الرئيس لهذه الظاهرة إلى انتشار التجارة الفورية في الغاز الطبيعي وتوسعها. ويؤكد التقرير، مثلاً، أن استعمال النفط في توليد الكهرباء في دول المنظمة (الدول الصناعية) انخفض نحو 40 في المئة منذ العام 2000. وعلى رغم احتمال زيادة استعمال النفط كوقود للمواصلات، يضيف التقرير أن إنتاج السيارات ذات الكفاءة العالية في توفير الوقود والسيارات الهجينة التي تستعمل الطاقة الشمسية أو الكهربائية أو الوقود العضوي، إضافة إلى الوقود التقليدي، ستقلص تدريجاً الطلب على البنزين والديزل. ويخلص التقرير إلى «أن زيادة الطلب على النفوط التقليدية وصل إلى ذروته في دول المنظمة، وأن هذه الظاهرة ستترك آثاراً سلبية في قطاع التكرير في الدول الصناعية». وتتوقع وكالة الطاقة أن يرتفع الطلب على النفط هذه السنة، وأن يأتي معظم الزيادة من الدول الناشئة وليس الصناعية. وبَنت الوكالة توقعاتها لزيادة الطلب خلال السنة الجارية على توقعات نمو إجمالي ناتج الدخل القومي التي صدرت عن صندوق النقد الدولي في كانون الثاني (يناير) الماضي. وتدل المعلومات الواردة في تقرير وكالة الطاقة على أن الطلب العالمي على النفط سجل المعدلات الآتية: 86.2 مليون برميل يومياً عام 2008 وانخفض مع الأزمة الاقتصادية العالمية إلى 84.9 مليون برميل يومياً عام 2009، ويُتوقَّع أن يرتفع إلى نحو 86.5 مليون برميل يومياًَ عام 2010. أما الطلب في دول الشرق الأوسط، فهو في ارتفاع مستمر، إذ سجل نحو 7.1 مليون برميل يومياً عام 2008 وارتفع إلى نحو 7.2 مليون برميل يومياً عام 2009، ويُتوقع أن يرتفع إلى نحو 7.6 مليون برميل في السنة الجارية. وازداد الطلب على النفط في الدول الآسيوية كذلك خلال الفترة ذاتها، مسجلاً 25.6 مليون برميل يومياً عام 2008 و26.1 مليون عام 2009 و26.7 مليون عام 2010. ويتوقع تقرير الوكالة أن يصل معدل الطلب على النفط في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 2010 إلى نحو 41 مليون برميل يومياً، أو نحو 4.5 مليون برميل يومياً أقل من الدول الصناعية. ماذا تعني هذه الأرقام؟ يتمثل أحد المعاني الرئيسة في أن الكلام عن ذروة الإمدادات النفطية في غير محله، فهي مجرد فزاعة تُستعمَل لتخويف الرأي العام في الدول الصناعية عند ارتفاع الأسعار، من أن بلدان الشرق الأوسط النفطية لن تستطيع تلبية الاحتياجات المستقبلية من الطلب العالمي على النفط. وفي حال صحة توقعات وكالة الطاقة، يجب أن تتوخى الدول النفطية الحذر من تقلص الطلب على النفط في الدول الصناعية. كذلك تجسد هذه التوقعات ما حُكِي عنه سابقاً، وهو زيادة الطلب من الدول الناشئة، ومنها دول الشرق الأوسط النفطية ذاتها، ما يعني زيادة استهلاك النفط في الدول المصدرة ذاتها. وهذا يعني تغيراً ملحوظاً في أهمية الأسواق التي يتوجه إليها النفط، وأن على الدول النفطية مراعاة المتغيرات في الأسواق وأحجامها، ومن ثم تغيير أولوياتها واستثماراتها على ضوء هذه المتغيرات، وهذا ما هو حاصل فعلاً منذ فترة. محتمل جداً أن تزداد أهمية توقعات الوكالة مع الاهتمام المتزايد الذي توليه الدول الصناعية لقضايا المناخ والبيئة وتفادي التلوث. فالبرامج الجديدة ستؤثر سلباً في الطلب على النفط. لكن ما هي الآثار الإجمالية لهذه المشاريع البيئية، وما سرعة تأثيرها في الطلب على النفط؟ وكيف ستستطيع الدول النفطية تكييف موازناتها العامة ومصاريفها واستثماراتها على ضوء الاندفاع البيئي الكبير وتقليصه الطلب العالمي على النفط؟ * كاتب متخصص في شؤون الطاقة