كيف ستتطور أسعار النفط في المستقبل المنظور؟ وهل سيستطيع النفط منافسة بقية مصادر الطاقة مستقبلاً، او أقلّه، المحافظة على حصته في الأسواق خلال العقود المقبلة؟ أصبحت تذبذبات أسعار النفط في الآونة الأخيرة مشكلة صعبة لكل من المنتجين والمستهلكين. وصدر عن وكالة الطاقة الدولية دراسة بعنوان «تقرير عن أسواق النفط في المدى المتوسط 2009»، تأخذ في الاعتبار زلزال الأزمة الاقتصادية والآثار الطاقوية الناتجة عنه. وتفيد الدراسة بأن انخفاض الطلب على النفط سنتين متتاليتين (2008-2009) بسبب أسوأ أزمة اقتصادية في نصف قرن « نتج عنه تغيرات هائلة وغير معتادة. فسعر النفط اليوم (نحو 70 دولاراً) اي نحو نصف ما كان عليه في تموز (يوليو) 2008، عندما وصلت الأسعار إلى الذروة (نحو 147 دولاراً)، على رغم أن مستوى الأسعار تحسن بعد ان بلغ مستوى متدنياً (35 دولاراً) مطلع هذه السنة، يعززه تصور بأن الانتعاش الاقتصادي اصبح قريباً». يخلص تقرير الوكالة إلى ان أسواق النفط «اصبحت اليوم عند مفترق طرق». وبسبب الحالة الغامضة التي يمر فيها الاقتصاد العالمي، فقد استعملت الوكالة سيناريوين لمستقبل هذه الأسواق. احدهما يعتمد على تطور بطيء ومتأخر للاقتصاد العالمي، أما الثاني، فيتبنى نموذجاً متفائلاً لنمو الاقتصاد العالمي في المستقبل المنظور، يعتمد على توقعات صندوق النقد الدولي في نيسان (ابريل) 2009، التي تشير الى زيادة الناتج المحلي الإجمالي للسنوات 2012-2014 نحو 5 في المئة سنوياً. إن الاستنتاج الأهم الذي توصلت إليه الوكالة هو « إن نوعية الانتعاش الاقتصادي وتوقيته سيكونان العامل الأساس والاهم في توازن أسواق النفط في المستقبل المنظور». والمشكلة هنا، أن الاقتصاد العالمي، على رغم الانتهاء تقريبا من الأزمة المالية، بحيث اتخذت إجراءات واسعة لمنع انهيار مصارف كبرى، مثل «ليمان بروذارز»، لا يزال هشاً مع معدلات عالية جدا من البطالة، اذ يزداد، على سبيل المثال، عدد العاطلين من العمل في الولاياتالمتحدة نحو نصف مليون شخص شهريا، والوضع ليس احسن بكثير في اوروبا. في الوقت ذاته، يتوقع محللون اقتصاديون في مصرف «باركليز»، تحسناً ملحوظاً في الطلب على النفط خلال النصف الثاني من السنة الحالية، نتيجة الانتعاش الاقتصادي في آسيا والاستقرار الاقتصادي في الولاياتالمتحدة واوروبا. ويتوقع «باركليز» ان يدفع هذا التحسن اسعار النفط في النصف الثاني من هذه السنة، الى نحو 75-80 دولاراً، وهو معدل «السعر العادل» الذي اشار اليه بعض دول «اوبك» في الشهور الأخيرة. أما بالنسبة للمستقبل البعيد، وآثار تنافس الطاقات البديلة المتجددة على سوق النفط في العقود المقبلة، فقد ذكر رئيس شركة «رويال دتش شل» جيرون فان دير فير في مقال نشره في جريدة «التايمز» اللندنية، ان هناك مستقبلاً واعداً للطاقات البديلة في حال «تشريع القوانين والنظم اللازمة «، اذ ان هذا سيؤدي بحلول عام 2050، إلى زيادة حصة الطاقات المتجددة إلى 30 في المئة من الأسواق». وأضاف: «إن حصة الوقود العضوي المنتج من المحاصيل الزراعية يمكن أن تصل إلى 10 في المئة من وقود المواصلات خلال عقدين». واوضح ايضاً أن السيناريوات المعدة من قبل شركته تدل على ان « نحو 15 في المئة من السيارات الجديدة في العالم بحلول عام 2020 ستكون هجينة». لكن المستقبل لا يشير إلى هيمنة وقود واحد في المواصلات، بل الى تنوع أنواعه، «ما سيكون مفيداً للمستهلكين». هذا يعني، ان من الممكن جداً، بدلاً من هيمنة النفط التقليدي على قطاع المواصلات في الوقت الحاضر، أن تتوافر لدينا في المستقبل، أنواع مختلفة من وقود المواصلات، مثل البنزين والديزل التقليديين، والكهرباء والوقود العضوي (المنتج من المزروعات) ، والغاز الطبيعي والهيدروجين. وضروري التذكير هنا، بأن ما سيساعد الوقود التقليدي من بنزين او ديزل في المحافظة على حصتهما من سوق الطاقة مستقبلاً، خصوصاً سوق وقود المواصلات، على رغم التنافس المتوقع مع البدائل المستدامة، يعود إلى توقع زيادات سنوية كبيرة لاستهلاك الطاقة، بسبب تحسن مستوى المعيشة العالمي والتقدم الاقتصادي في دول ذات كثافة سكانية كبيرة، ما سيزيد استهلاكها من الطاقة. *كاتب متخصص في الطاقة.