التنوع الثقافي، والتعابير الفنية المتعددة، ستحل في إرثها وحاضرها وبنماذجها الأغنى في مهرجان فرنسي أدى دوراً أساسياً في كشفها ومنعها من التهميش، بل وأحيانا من الاختفاء. «مهرجان المتخيل»، الذي تنظمه دار ثقافات العالم الباريسية برئاسة شريف الخزندار وإدارة أرواد اسبر، سيعرض في نسخته ال16 المستمرة حتى 17 حزيران (يونيو)، أشكالاً فنية لا حصر لها، تكشف غنى الخيال الإنساني وترفع الغطاء عن عوالمه الغنائية والمسرحية والراقصة. عوالم، تتجاور فيها الروحانية الصوفية المغاربية، مع حلقة «سانكيرتانا» الهندية حيث يتلاحم الغناء والموسيقى والتعبير الجسدي في محاولة «للسيطرة على فوضى العالم والاقتراب من تناغم كوني». وتصدح أغانٍ من الأوبرا الشعبية الفيتنامية مع أناشيد مهداة إلى السيدة مريم من البيرو، فيما تسرد الدمى المتحركة الهندية ياكشاغانا على إيقاع الموسيقى حلقات من النصوص الهندوسية في رامايانا ومهابهاراتا، فيما تتهيأ أجساد مقنّعة من المسرح الشعبي الكوري للرقص ولنقد المجتمع بطريقتها الخاصة. حضور إسلامي حضور العالم الإسلامي في هذه الدورة سيكون عبر تخصيص حلقة لألبانيا (من 3 إلى 6 أيار/ مايو) تنتهي بأمسية غنائية من «بلد الصقور». أما في البدء، فسيقدم كمال الدين ركا مع فرقته «ذِكراً» من تيرانا، يُبرز تنوع التراث الموسيقي لهذا البلد وارتباطه ببعض الطرق الصوفية التي كان لها دور في نشر الإسلام في ألبانيا، وخصوصاً منها الطريقة الرفاعية التي ولدت في العراق ثم انتشرت في كل المشرق حتى الأناضول ووصلت إلى ألبانيا في القرن السابع عشر، وهي موجودة اليوم في ثلاث مناطق، منها تيرانا. في هذه المدينة، حولت عائلة ركا دارها إلى مسجد مُنعت إقامة الشعائر الدينية فيه خلال فترة الحكم الشيوعي. وبعد سقوط النظام، تحول المكان إلى تكية للمريدين يجتمعون فيه مرة أسبوعياً لإقامة الصلاة وإحياء الذكر وقراءة القرآن وانشاد المدائح بالعربية والألبانية، في غناء منفرد وجماعي تصحبهم الدفوف والناي الألباني. من العالم العربي سيأتي «المالوف»، من عاصمة هذه الموسيقى التراثية، قسنطينة، تلك المدينة التي تشكلت فيها، مع وصول الأندلسيين إليها بعد سقوط غرناطة، واحدة من مدارس الموسيقى العربية الأندلسية (مع تونس وليبيا). مجموعة صبا التي أُسست العام 2009، بهدف «إعلاء الإرث الموسيقي الغني لمدينة قسنطينة»، قدمت على مسرح معهد العالم العربي، أمسية من موسيقى «المالوف» مع المغني وعازف العود عباس ريغي. فيما ستفتح قاعة الآثار الإغريقية والرومانية في متحف اللوفر أبوابها (في 28 نيسان-أبريل) لتتردد في أجواء استثنائية أصداء «نوبة» كلاسيكية من الموسيقى العربية الأندلسية إنما مع أوركسترا مدينة فاس هذه المرة. وستنشد الأوركسترا العربية الأندلسية من فاس التي تعتبر استمراراً للتراث الثقافي لهذه المدينة العريقة، قصائد الروحانية الصوفية مع أشعار البصيري وآخرين. أشكال فنية حلّت من الباهاماس والرأس الأخضر والبيرو وكوريا والهند وألبانيا والمغرب والجزائر. تتخذ من تعبيرها عبر الكلمة، والموسيقى والجسد، وسيلة للتواصل مع العالم المحيط. لكن المشرق العربي، لا سيما سورية واليمن، يغيب هذه السنة، لانشغالاته في خلق فضاءات تتيح له التعبير عما حرم منه حتى اليوم.