بسعة علمه وأفقه الفقهي وقوة منطقه العقدي، يضع الشيخ الراحل محمد ناصر الدين الألباني المتلقين في أجواء تستعيد سيرة السلف الصالح، وتضع الحديث النبوي كأنما قيل خاصة لكل من يسمعه، فقد آتاه الله من سعة العلم والتقوى وصفاء النفس ما جعله من أجلّ المحدثين والفقهاء المستنيرين، ووضعه ذلك مكانا عليا من الإجلال والاحترام والتقدير في الأوساط الإسلامية قاطبة. جاء الشيخ الألباني إلى الدنيا من بلدة أشقودرة القديمة في ألبانيا التي ينسب لها اسما، فقد هاجر صغيرا مع والده وأسرته إلى سورية، ولم يدرس في المدارس النظامية بحسب توجهات والده الرافضة لها فوضع له منهجا علميا مركزا قام من خلاله بتعليمه القرآن الكريم والتجويد والنحو والصرف وفقه المذهب الحنفي، وختم على يد والده حفظ القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم، ودرس على الشيخ سعيد البرهاني مراقي الفلاح في الفقه الحنفي، وبعض كتب اللغة والبلاغة. ولطلبه الرزق بجانب العلم، فقد أخذ عن أبيه مهنة إصلاح الساعات وأجادها حتى صار من أصحاب الشهرة فيها، وقد وفرت له هذه المهنة وقتا جيدا للمطالعة والدراسة، وهيأت له هجرته للشام معرفة باللغة العربية والاطلاع على العلوم الشرعية من مصادرها الأصلية، ولم يكمل مقامه في دمشق ورحل عنها إلى الأردن وبقي فيها حتى وفاته. اشتهر الشيخ الألباني باشتغاله بالبحث عن الدليل واتباع السنة وعلم الحديث، فتعلم الحديث النبوي وهو في نحو ال20 من عمره، وكان أول عمله في ذلك نسخ كتاب «المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار» للحافظ العراقي مع التعليق عليه، وانطلق منه في بحور الحديث النبوي محققا وشارحا ومدققا، وفي العشرينات من عمره بدأ التأليف وكان أول مؤلفاته الفقهية المبنية على معرفة الدليل والفقه المقارن كتاب «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد» وهو مطبوع مرارا، ومن أوائل تخاريجه الحديثية المنهجية أيضا كتاب «الروض النضير في ترتيب وتخريج معجم الطبراني الصغير» الذي لا يزال مخطوطا. ولأنه موسوعة تمشي على قدمين وصاحب فكر وفقه نادر، فقد أثرى المكتبة الإسلامية بالعديد من المصنفات منها: سلسلة الأحاديث الصحيحة، وسلسلة الأحاديث الضعيفة، وصحيح وضعيف الترغيب والترهيب، وتبويب وترتيب أحاديث الجامع الصغير وزيادته على أبواب الفقه، وصحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته، والتعليقات الحسان على صحيح ابن حبان، وإرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، وغيرها من المؤلفات التي أسهمت كثيرا في تحقيق الحديث النبوي وشرحه، بلغت أكثر من 300 مؤلف بين تأليف وتخريج وتحقيق وتعليق. وفي وصيته الأخيرة، رحمه الله، كتب: «أوصي زوجتي وأولادي وأصدقائي وكل محب لي إذا بلغه وفاتي أن يدعو لي بالمغفرة والرحمة، أولا، وألا يبكوا علي نياحة أو بصوت مرتفع.