في وقت احتفل الشعب الكردي بعيد النوروز وشاركته فرحته الشعوب المحبة للحرية والسلام، وفيما استعد العراق لاستضافة القمة العربية، تزداد ازمة الحكومة العراقية في شكل لافت بعد احتجاجات متنوعة وبعد ان قوبل تظاهر الآلاف من أجل الخبز والكرامة بإرهاب الحكومة، في وقت نبّه كثيرون الى أخطار تحول الحكم العراقي الى ديكتاتورية جديدة - بقصد او من دون قصد - من خلال تجميع السلطات الاساسية بيد شخص واحد. وكشفت تصريحات رئيس اقليم كردستان مسعود برزاني وخطابه في عيد النوروز الحجم الخطير للأزمة، حين نبّه علناً الى ما يلعبه الاستئثار المتزايد بالسلطات العسكرية والأمنية والمالية وغيرها من قبل شخص واحد ومقربين منه، في وقت لا يتوقف فيه تمزّق قوى البلاد ومعاناتها بسبب التمييز الديني والفساد الإداري، والضائقة المعيشية والبطالة، واستغلال الارهاب لما يجري وتمكّنه من اختراق القوى العسكرية والأمنية االذي يبدو وكأنه لا ينتهي، بدليل التفجيرات المتواصلة المؤلمة الأخيرة. لقد استطاعت المسيرة الكردستانية ان تحقق نجاحات لم تستطع الحكومة الاتحادية المركزية تحقيقها ... حتى عادت القضية الكردية تشكل ملاذاً لأوساط عراقية متسعة، في وقت تلعب فيه دور صمام أمان كبير لمدى صواب المسيرة السياسية على طريق تقاسم السلطة وتبادلها سلمياً وجعلها شراكة وطنية بين كل الأطياف العراقية وفق الدستور، كمانع متين أمام تكوّن ديكتاتورية فردية من نوع جديد، اخذت ملامحها تزداد وضوحاً. وفيما يتهم البعض مواقف حكومة اقليم كردستان، بكونها انعزالية وساعية الى الانفصال بالاقليم عن العراق، فانهم لا يلاحظون حجم التحديات اليومية التي تواجهها ومن أهمها اهمال الحكومة العراقية حقوق كردستان الدستورية، وينسون ان نجاح نوري المالكي في تشكيل حكومته يعود الى اتفاقية اربيل في ايلول (سبتمبر) 2010 برعاية برزاني بعد ان طال تعذّر تشكيل الحكومة العراقية لمدة أكثر من عام. لقد طالب التحالف الكردستاني بعدم الاستعجال بسحب القوات الأميركية من دون ضمانات واضحة تحفظ وحدة العراق وفق الدستور - رغم المواقف المزايدة والمنافقة لعدد من الاطراف حينها - حيث تفجرت الخلافات سريعاً بين كتلة المالكي « دولة القانون» الحاكمة الفعلية و«الكتلة العراقية»، اثر الاعلان عن انسحاب القوات الأميركية نهاية العام الماضي، وتفجّر العديد مما تعرفه وترصده حكومة المالكي منذ سنوات، من دون السعي لتوفير المستلزمات الأساسية لتعميق المسيرة لمصلحة أوسع الفئات العراقية الكادحة بعربها وكردها وسائر أقلياتها الدينية والقومية. ان تصريحات برزاني الأخيرة وتأييد كتل سياسية عراقية متزايدة لها، من عربية وكردية، قد تجعل المالكي وكتلته الحاكمة في زاوية ضيّقة لا ينفعها فيها حتى رضوخها للإملاءات الخارجية، في وقت لم تعد فيه الوعود ذات جدوى، وصار عقد مؤتمر عاجل لكل القوى المشاركة في المسيرة السياسية، للتوصل الى حلول عملية واجراءات تنفيذية وفق الدستور ... مهمة لا تقبل التأجيل.